اسمحوا لنا أن نتنفّس !!
في( كرنفال )الانتخابات البلدية المقبلة ، أو ( على رأي أهل الصحافة ) المزمع إجراؤها في تموز المقبل ، وبعدما بدأ
( حراك استعادة العلاقات ونسجها بطريقة الفزعة واستذكار ما كان من مودّة ) ، وكما جرت عادة الناس في المواسم ، سيخرج الفائزون أو الذين حصدوا حصة الكسب في صناديق الانتخاب ويعلنون غضبتهم ، رغم الانتصار و الإعلام والوقار و طوابير التحية لهم في الانتظار ، سيخرجون إلى الشوارع معتصمين أو في ساحات مجاورة لمباني بلديّاتهم ، ويعلنون احتجاجهم على أن جمهوراً آخر من الناخبين لم يصوّت لهم ، فيما سيخرج الخاسرون في ردّة فعل موازية احتجاجاً على مواقف من الناخبين من غير المصوّتين لهم ... لكن قد تحدث مشكلة أو ( معضلة للحسم ) : فكيف نعرف من انتخب الناجحين ومن اصطف إلى جانب الخاسرين ؟
هل هذه لعبة ُ كلام أم قصة ُ ذهن ٍ فقد َ البوصلة ؟
كل ما في الأمر أننا لم نعد نرى إلى ( لعبة الحكاية ) سبيلاً ، فمشهد الاعتصامات يفيض عن حجم المتوقع ويفيض عن حجم
( مقدرتنا على المشاركة ) ، وبتنا في حاجة إلى أوقات إضافية وربما أمكنة إضافيّة ، خرج ويخرج السياسيّون والحزبيّون في مسيرات غضب واحتجاج ويطلبون إلينا المشاركة فننصاع ُ بأمر الحاجة والضرورة وشروط الحياة إلى رغباتهم ورغائبهم ، ويطلب النقابيّون فنلبّي النداء ونخرج ، ويفعلها العمّال والطلبة والمعلمون والموظفون والسائقون والتجار والمالكون والمستأجرون وقد يفعلها نخبة من أصحاب الشأن من نوّاب و وزراء ، ربّما لأسباب لا نعلمها .
لا أريد القول : أتعبتنا المشاركات وتبعثرت الجهود وتنوّعت الاجتهادات ، ونؤمن أن من أبسط حقوق الإنسان أن يعرض حاجته ويؤشّر إلى مواقع قهره وحزنه .. لكن ماذا أقول لروّاد مقهى على الرصيف يريدون تنفيذ اعتصام بسبب ٍ من غلاء أسعار المشروبات أو لأنّ (الأراجيل ) فقدت رائحتها وطعمها ، هل يخرج أصدقاء المقهى في احتجاج ضدّ سلوكات صاحب المقهى والنادل أو يخرجون ضدّ تجار وباعة ما يلزم في مطبخ المقهى ؟
ماذا في وسعنا أن نفعل حين تعتصم الأمّهات احتجاجاً على عقوق الأبناء في مناسبة عيد الأم وسواها من المواعيد .. وماذا في وسعنا أن نفعل حين تخرج جاراتنا ( نساء في حيّ ما ) احتجاجاً على سلوك جارة ٍ تثرثر بما يكفي لإزعاج المجاورين أو على جارة ٍ تلقي بــ ( حفّاظات صغارها ) إلى الشارع فتضرب بها رؤوس العابرين أو حتى رؤوس المتعطّلين عن العمل على قارعة المكان .. وماذا في وسعنا أن نتصرّف حيال أطفال خرجوا من منازلهم احتجاجاً على ( سوء معاملة الأسر ) .. وماذا كذلك حول احتجاجات واعتصامات مشابهة ينهض بها ( أيتام ) أو ( فئات من ذوي الاحتياجات الخاصة ) أو ( أعضاء أندية ) خضعوا لسطوة إدارات بفعل المال الانتخابيّ او سواه من تشابكات لا علاقة لها بالعمل الرياضيّ أو الاجتماعي ؟
في السرد كثير من مشاهد الاحتجاج ، فأين نذهب وكيف ومتى وإلى أين تؤدي بنا طريق رسمها ضالعون في تحريك الناس ، أحياناً لاحتجاجات مشروعة ومطالب عادلة ، وحيناً ( قد يحدث ذلك ) لأسباب أخرى ربّما لا نكون عرفنا كنهها بعد ؟
سأكتفي بالمشاركة في اعتصام المتعطلين عن العمل واحتجاج روّاد المقاهي و تظاهرات المجانين الذين أنتمي إلى صفوفهم ، فمساحة ممارسة الجنون انحسرت لصالح التجار والباعة والمتسوّلين ، فأين يمارس المجنون حزنه وجنونه وهلوساته ؟
لن نغادر سرب الباحثين عن (الحق والموقف )و المدافعين عن ( قيم ٍ لا تستقرّ حياة ٌ من دونها )، لكن اسمحوا لنا أن نستريح وأن نراجع وأن نقرأ وأن نتنفس .