الاقتصاد والقفز إلى الأمام
موجة من التفاؤل الحذر متوقعة مع بدء سلسلة من الاجراءات الحكومية لتحفيز الاقتصاد وحركة الاستثمار وإصلاحات إدارية أخرى جراء الجهود الملكية التي بذلت خلال الايام الماضية وبرزت على شكل سلسلة من الحوارات الملكية المكثفة ختمها جلالة الملك خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء وتوجيه الحكومة نحو مرحلة جديدة ربما يصلح لها عنوان ” القفز إلى الأمام ” أي الانتقال من اليومي الى الاستراتيجي في الاصلاحات الاقتصادية والادارية، بمعنى الانتقال من هدر وقت وطاقة مجلس الوزراء والادارات الاستراتيجية في البلاد من تصريف الاعمال اليومية والانشغال بالأزمات الصغيرة إلى إعادة هيكلة عقل الدولة نحو الحلول الكبرى وعلى رأسها الحلول الاقتصادية والاجتماعية.
لقد مضى وقت طويل واستهلكت أجيال من الحكومات طاقة البلاد وقواها الانتاجية بمنهجية تصريف الاعمال والتي خلقت طبقة من صناع القرار أبرز سماتهم التردد والخوف من الاشتباك مع القضايا الكبرى، وعملت هذه المنهجية الرديئة على التأجيل والتسويف نتيجة رفض هذه الطبقة السياسية من دفع ثمن التغيير، اي مواجهة المشكلات من جذورها، وتعايشت البلاد مع نمط من الثقافة الرسمية التي تتسم بالتستر على الاختلالات، ما ولد حالة من ثقافة التستر الرسمية وضعف إرادة التعامل مع الملفات الكبيرة وأحيانا التردد أو رفض اتخاذ قرارات مفصلية.
القرارات المنتظرة من المفترض أن تكون مفصلية في العديد من الملفات ومن المتوقع أن تشمل كلاما جديدا لم يقل من قبل عن البيئة الاستثمارية والحوافز، والاستثمار في الاستقرار الأمني والسياسي الذي تتمتع به المملكة لجلب المزيد من الاستثمارات، والبناء على الانجازات التي تحققت وآخرها تقدم الأردن وفق تقرير سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي الذي وضع الأردن في قائمة أبرز 20 دولة شهدت إصلاحات أدت إلى تحسن مرتبة الأردن الى المرتبة 75 عالميا من بين 190 دولة يشملها التقرير، كما من المتوقع أن تشمل القرارات الجديدة تخفيض ضريبة المبيعات التي تعد مرتفعة وهو الوعد الذي قطعته الحكومة حين شرعت قانون الضريبة الجديد، الأمر الآخر الحاسم والمهم ملف دمج المؤسسات العامة المستقلة التي أرهقت المالية على مدى عقود مضت والذي نأمل أن تكون الحكومة قد درسته جيدا لأن هناك مؤسسات عامة مستقلة تحتاج الى دعم وتثبيت ومؤسسات أخرى تحتاج إلى دمج أو الغاء.
وسط هذه القرارات ونوايا البحث عن حلول كبرى علينا أن نتساءل عن ملفات كبرى أخرى مسكوت عنها تحتاج إلى المزيد من الشفافية ؛ ومنها على سبيل المثال ملف الطاقة والاتفاقيات والالتزامات السابقة في إنتاج الكهرباء التي تفوق حجم الحاجات المحلية والتي تشكل اليوم مصدر هدر كبير، وملف شركة الكهرباء وملف مصفاة البترول، وملفات أخرى في النقل والمواصلات، كما هو الحال في المزيد من المساءلة الداخلية ولعل الحكومة تقفز بالفعل الى الامام بتطوير نموذج وطني لمساءلة السياسات والدعوة الى تعلم الدروس من الخطأ والصواب في السياسات التي ما تزال قائمة والسياسات التي اقترفت كوارث بحق البلاد، وفي هذا المجال لابد من الاشارة الى أننا بحاجة الى هز الرأي العام الأردني واستعادة ثقته بالدولة ومؤسساتها، وهذا الامر مرتبط برفع مستوى الثقة بالاسواق والاستثمار وزيادة قوة وفاعلية الردع العام، ولن يتحقق ذلك إلا بأفعال وإجراءات كبرى تحمل دلالات قوية ان الدولة قادرة ولديها الارداة على التغيير والاصلاح ومحاربة الفساد.
استراتيجية القفز إلى الامام، تعني التوقف عن الانشغال بالعلل ومصادر الاخطار الصغيرة، التوقف عن الاسترضاء والانشغال اليومي بالنميمة السياسية التي أوجدت طبقة سياسية وإعلامية تعتاش عليها بالابتزاز والتخويف، القفز إلى الأمام يعني خلق هدف وطني كبير تتم تعبئة الموارد المادية والمعنوية الوطنية نحوه، أي استراتيجية الاستجابة الفعالة التي تحدث الفرق كما تحدث هزات وصدمات كبرى، بدون هذه الصدمات لا يمكن ان نصل الى الحلول الكبرى.
الغد - الجمعة 25-10-2019