زلزال «أرامكو» في سوق الأسهم
اعلن يوم اول امس الاحد عن البدء بإجراءات طرح اسهم العملاق النفطي السعودي «ارامكو» في السوق المحلي السعودي، لتكون البداية مع ما يقارب الـ 2% من قيمتها السوقية المقدرة سعوديا بترليوني دولار، في حين تقدرها مصادر غربية بأقل من ذلك، ليتأرجح الرقم بين ترليون و200 مليار دولار وتريليون ونصف الترليون دولار، في حين تطمح السعودية إلى رفع القيمة السوقية المقدرة الى ترليون و700 مليار دولار كحد ادنى.
المراقبون يتوقعون ان تزيد قيمة الاسهم المطروحة في السوق المحلي السعودي على 5%، وان تستمر وتتواصل عملية طرح الاسهم بارتفاع الطلب الداخل؛ فالحكومة السعودية اعلنت نيتها دعم ارباح المساهمين من خلال الامتناع عن الاستفادة من ارباحها على مدى السنوات الخمس المقبلة، والمقدرة بـ 74 مليار دولار في العام.
البداية كانت في السوق المحلية؛ ما يعني القدرة على امتصاص الصدمات والآثار السلبية المترتبة على طرح اسهم الشركة العملاقة، فضلا عن التعامل مع مفاهيم الشفافية التي تفترضها الاسواق المالية، وضرورة الكشف عن الاداء العام للشركة؛ ما يسمح للمملكة برفع القيمة السوقية للشركة التي تطمح لها وهي ترليون و700 مليار دولار، والتعامل مع المفاجآت والمخاطر في ذات الوقت؛ فالرياض تسارع الخطى قبل ان تظهر التحولات الكبرى في اسواق الطاقة العالمية خلال السنوات المقبلة، والتي ستؤثر بقوة في اسواق النفط والغاز بإحداث صدمة وزلزال يساعد على اعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، وهي عملية تتم في مناخ وبيئة سياسية محلية ودولية مضطربة، بدءاً بحرب اليمن والازمة الخليجية (حصار قطر)، وتراجع الاوضاع الامنية في الخليج العربي، وممراته البحرية بفعل التوتر مع ايران واخيرا الحرب التجارية الامريكية الصينية.
سعي السعودية لطرح اسهم «أرامكو» سيؤثر ايجابا في الناتج المحلي الاجمالي، وسيعزز من قيمة الناتج القومي الاجمالي ايضا، والذي يقدر بـ 750 مليار دولار في الوقت الحالي؛ فطرح اسهم الشركة قادر على ان يقفز بالناتج المحلي الاجمالي الى ما يقارب الترليون ونصف ترليون دولار، متجاوزة بذلك اندونيسيا وتركيا واسبانيا.
طرح اسهم الشركة يحوي في باطنه ايجابيات كبيرة للمملكة العربية السعودية، ويزيد من مقدار الشفافية والتنافسية في السوق السعودي، معززا من مكانة الاقتصاد السعودي؛ الا انه يحمل مخاطر كبيرة ايضا في حال ادير ملف الخصخصة بردات الفعل وبدون خطة استراتيجية حقيقية، خصوصا اذا تم تجاهل التحولات الكبرى في اسواق الطاقة، وضرورة تنويع الانتاج مع مراعاة الخصوصية السعودية والعربية والاقليمية للمملكة؛ عوامل نلاحظها في اداء مخططي الاقتصاد الصيني ما اعطاه قدرا من الاستقرار، وعزز القدرة على مواجهة الاختلالات والإشكالات المفاجئة؛ ونجده في إدارة الصندوق السيادي النرويجي الذي عمل على تخريج نشاطاته من المجال النفطي نحو مجالات اوسع، مقللاً الاعتماد على الاستثمارات في مجال الطاقة والنفط الى مجالات جديدة منها الطاقة المتجددة.
الخطوة نحو خصخصة جزء مهم من نشاط «ارامكو» السعودية حدث كبير في الساحة الدولية والاقليمية، حدث سيكون له ما بعد داخل السعودية وخارجها؛ فما إنْ يطلق العنان لهذه العملية حتى تطلق معها ديناميكية سياسية واقتصادية يصعب التنبؤ بها الا أنها باتت ضرورة بالنسبة للسعودية التي لم تعد تستطيع ان تتأخر عن ركب التحولات الكبرى في الاقتصاد الدولي، الا ان الخطوة ستبقى غامضة في دوافعها في ظل البيئة السياسية المضطربة، والمرحلة الانتقالية التي تعيشها السعودية بين جيلين من الحكام.
ختاما.. يبقى السؤال: هل تنجح الخطوة السعودية؟ وهل ستحصل على قوة الدفع الكافية ام تتراجع عن الخطوة وتقتصرها على 5% من الاسهم فقط في السوق المحلي؟ وهل ستتمكن السعودية من ادارة التحول في ظل البيئة الاقليمية والدولية والمحلية بنجاح؟ وهل ستتمكن الرياض من بناء التحالفات التي تعينها على اطلاق مشروعها الاقتصادي؟ وهل ستواجه العالم وحيدة ام ضمن تحالف واسع؟
اسئلة لن تجد من يجيب عنها في الامد القصير على الارجح؛ فهي اكبر من ان يتم الاجابة عنها الآن.
السسبيل -الإثنين 4/نوفمبر/2019