دولة في حقيبة سفر!
في الانتخابات البريطانية الأخيرة تخوف اليهود البريطانيون من وصول جيرمي كوربين رئيس حزب العمال لرئاسة الوزراء، لدرجة أنهم كانوا يخططون لترك البلاد، وذلك وفقاً لما قاله رئيس حزب المحافظين جيمس كليفرلي لصحيفة الديلي ميل.
وحسب ما قال كليفرلي، المسؤول عن حملة الحزب المحافظ الانتخابية، فإنه يعرف الكثير من اليهود الذين «سيخرجون من هنا» في إشارة إلى بريطانيا إذا تولى كوربين مقاليد السلطة. اليهود خائفون من التهديد الذي تشكِّله حكومةٌ تحت قيادة جيرمي كوربين. وقال : «هؤلاء أشخاصٌ قالوا إنهم ينظرون فعلاً في الذهاب إلى عائلاتهم في أجزاء أخرى من العالم»، ولم يحدد «اسرائيل « بالذات وهنا موضوع مقالنا الذي تتبعنا فيه عدة مصادر تشير الى تراجع قيمة اسرائيل لدى اليهود.
ففي سبتمبر/أيلول الماضي، كشف تصويت أجرته صحيفة «`ذا جويش كرونيكل» البريطانية أن 40 ٪ من اليهود البريطانيين سوف «يفكرون جدياً» في الرحيل من الدولة إذا انتُخِبَ جيرمي كوربين رئيساً للوزراء.
«الذنب « الذي ارتكبه كوربين وحزبه «العمال» انه يتحدث عن الشق الثاني من وعد بلفور الذي نجحت الدعاية الصهيونية في اغماض عين العالم عنه، اقامة الدولة الفلسطينية الى جانب اسرائيل وهو ما عرف بحل الدولتين الذي أحياه جورج بوش الابن، وهو نفسه قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 وتبعه قرار مجلس الأمن 242 في أعقاب حرب عام 1967، ثم طرحت نفس الحل اللجنة الرباعية الدولية عام 2003 والمتضمن في مرحلته الأخيرة اقامة دولة فلسطينية عام 2005.
حزب العمال البريطاني، كان اتخذ قرارات جديدة داعمة للفلسطينيين، في مؤتمره السنوي، مشددا على حق العودة للاجئين الفلسطنيين، ووافق المندوبون والأعضاء، بشبه إجماع على قرار هام حول التضامن مع فلسطين، وتناولوا نكبة 1948، ودعوا إلى دعم حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
كل هذه القرارات لم تؤد الا الى سراب بمقدم نتنياهو والمتطرفين الى الحكم واشتراطه اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة وليس فقط باسرائيليتها، وهذا ما عرف لاحقاً بقانون المواطنة الذي أقره الكنيست والذي يجرد فلسطينيي 48 من حقهم بالبقاء في أرضهم.
مشكلة نتنياهو والمتطرفين الصهاينة أنهم مسكونون بعقلية القلعة وتفسيرهم الصهيوني للتوراة؛ ما يعجل بانفضاض اليهود عنهم وعن «اسرائيلهم «. فقد اظهرت استطلاعات رأي اتساع الفجوة في المواقف والآراء بين اليهود في إسرائيل واليهود في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة وفرنسا، حيث يوجد أكبر تجمعين يهوديين خارج إسرائيل. ويظهر اتساع هذه الفجوة من خلال استطلاع أجري بين اليهود في إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا لصالح اللجنة اليهودية – الأميركية (AJC). وشمل الاستطلاع، الذي نشر قسما من نتائجه موقع «ألمونيتور» 1000 يهودي من إسرائيل، 1006 يهود من الولايات المتحدة، و771 يهوديا من فرنسا، وينتمون إلى طبقات اجتماعية – اقتصادية وأوساط سياسية ودينية مختلفة.
وقال 31 ٪ من اليهود الإسرائيليين إنهم يصفون اليهود في الولايات المتحدة بأنهم «أشقاؤهم»، بينما وصف 13 ٪ فقط من اليهود الأميركيين اليهود الإسرائيليين بأنهم «أشقاؤهم». وقال 31 ٪ من اليهود الفرنسيين إن اليهود في إسرائيل هم «أشقاؤهم».
من الجهة الأخرى، عبر 61 ٪ من اليهود في إسرائيل عن معارضتهم الشديدة لأن يحاول اليهود في الولايات المتحدة التأثير على السياسة السياسية في مواضيع تتعلق بالأمن القومي والمفاوضات مع الفلسطينيين. وفي المقابل، وردا على السؤال «هل دولة إسرائيل ضرورية أم لا لضمان مستقبل الشعب اليهودي؟»، أجاب 91 ٪ من الإسرائيليين و72 ٪ من الأميركيين و53 ٪ من الفرنسيين بـ»نعم»، ما يدل على وجود فجوة واسعة في المواقف، كما تبين من الاستطلاع أن 59 ٪ من الأميركيين و35 ٪ من الفرنسيين لم يزوروا إسرائيل أبدا.
ويظهر استطلاع العام الحالي اتساع الفجوة بين اليهود الإسرائيليين والأميركيين قياسا باستطلاع العام الماضي؛ ففي العام 2018، «عارضوا جدا» 41 ٪ من اليهود الأميركيين و5 ٪ من الإسرائيليين لسياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بخصوص العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 45 ٪ بين اليهود الأميركيين وانخفضت إلى 4 ٪ بين اليهود في إسرائيل في العام 2019 الحالي.
كذلك تبين من الاستطلاع أن 88 ٪ من اليهود في إسرائيل يؤيدون قرار ترامب بالاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان المحتلة، بينما أيد ذلك 50 ٪ من اليهود الأميركيين.
اليهود بدأوا يسألون أسئلة خطيرة تتعلق بوجود اسرائيل و « هل هي ضرورية لضمان مستقبل الشعب اليهودي «. وعندما يتحدث يهود بريطانيا الذين أسسوا «اسرائيل» عن «الرحيل» من بريطانيا فانهم لا يحددون اسرائيل كوجهة لهم بل أميركا و كندا.
اضافة الى التصدع الحاصل في المجتمع الاسرائيلي وتحذير المفكرين المتعقلين منهم من أن سياسات اليمين المتطرف تؤدي الى الهاوية بل النهاية فان اسرائيل تبدو الآن دولة في حقيبة والاسرائيليون على سفر بدون عودة !
الدستور -