اقتصاد التدخين الوطني
لست مقتنعا بهذه الحملة الغريبة على السجائر الالكترونية ولدي شك عميق بأنها حملة موجهة من امبراطوريات التبغ، وأحاول التدقيق في كل خبر عن الوفيات التي تتكاثر هذه الايام في الولايات المتحدة بصورة صادمة للرأي العام فألاحظ غياب الدقة العلمية في تفسير علاقتها بالسجائر الالكترونية.
ضرر السجائر الالكترونية محسوم من حيث المبدأ ليس بسبب النيكوتين فقط بل ايضا من ابخرة السوائل مثل الجليسيرول والغليكول بروبولين والمنكهات المختلفة، لكن ذلك لا يقارن ابدا بمئات المواد السامة الناتجة عن حرق التبغ والتي تجعل رئة المدخن المجبولة بالقطران مثل خرقة سوداء، ويؤكد مدخنو السيجارة الالكترونية عن تحسن حالة الرئة والتنفس عندهم بعد ان كانوا يلهثون من صعود درج، ويكفي نظافة الرئة من القطران كفارق حاسم بين الأمرين.
من البداية نبهت الأوساط الصحية ان السيجارة الالكترونية ضارة حتى لا يرتاح المدخنون لاستخدامها كبديل دائم لأن الأصل هو ترك النيكوتين كليا لكن هذا شيء وتهويل مخاطرها لغاية احباط المدخنين من استخدامها كبديل عن الدخان بل واعادة الاعتبار له بوصفه اقل ضررا فهو أمر لا أستطيع كما قلت افتراض براءة شركات التبغ منه. وعندما بدأ مؤخرا اكتشاف وفيات يشك ان وراءها السجائر الالكترونية ! سارعت جهات رسمية لتبني الأمر بل كما سمعنا وصل ببعض الولايات لمنعها مع ان الوفيات – بافتراض مسؤولية السجائر الالكترونية عنها –لا تزيد كنسب احصائية على الوفاة من الآثار الجانبية للعديد من الأدوية، فتعامل الجسم مع اي مواد يتباين بصورة فريدة وينتج عنه ردود فعل متطرفة احيانا وليس مستبعدا ان بعض مكونات السيجارة الالكترونية ولّدت ردود فعل من هذا النوع مثل تكون حبيبات دهنية في الشعب الهوائية للرئة والتي قيل انها ” قد ” تكون المسؤولة عن وفيات مؤخرا.
لا أدافع عن السيجارة الالكترونية ولا أستخدمها (استخدم علكة النيكوتين) لكن لا يجوز محاربتها كبديل ينقذ الملايين من السجائر العادية آخذين بالاعتبار ايضا البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهنا نأتي الى الأردن العزيز والسياسة العجيبة للحكومة التي تمنع السيجارة الالكترونية سلفا وكأنها تقدم خدمة مجانية لشركات التبغ، والشك الذي يراودني انها تفعل ذلك لمصلحتها المباشرة في الضرائب التي تعود لها من السجائر.
حسب الاحصائيات فنحن شعب مدخن اكثر من كل العالم وتسبقنا فقط دولة او دولتان والاقتصاد الوطني يحرق مئات الملايين (تتفاوت الارقام بين نصف مليار الى مليار دينار) على مزاولة هذا الضرر الذي يبلغ بحساب الكلف اللاحقة الصحية والاجتماعية مئات الملايين الاضافية. والدولة عندنا تمنعت في البداية عن ترخيص استيراد السجائر الالكترونية كاختراع غريب يتوجب تقييمه أولا وفي الأثناء انتشر تدريجيا كالنار في الهشيم كما حصل في دول اخرى وبالشراء الشخصي من الخارج وعبر وسطاء احتل حصة مهمة كبديل بين المدخنين، والآن لا يريدون ترخيصه ليس لأسباب صحية بل مالية اذ تلاحظ الدولة كيف يؤثر على استهلاك السجائر التي تعلن الدولة بسعادة الآن ان تهريبها تراجع بنسبة 80 %. ونبدو تماما مثل اقتصاد اليمن مع القات الذي يعطي مردودا ماليا فوريا عاليا ويقبل عليه الناس بكثافة دون انتباه للخراب الشامل الذي ألحقه بالناس والاقتصاد.
الغد - الجمعة 15-11-2019