الأمة والدولة والإصلاح من فوق؟
حتى اليوم، ما زالت خيارات الانسان العربي عالقة بين الوطنية والأمة والطائفية والفردية، فلا إصلاح جذريا أو جديا تحقق، ولا المواطن قادر على مغادرة ماضيه او حتى الهوية الفرعية التي ينتمي إليها، قبلية او مدنية أو طائفية او نمط عيش، ولا الهياكل المؤسسية العربية في حال يمكنها من خلق نخب جديدة مؤمنة بالتغير وتدافع عنه، لقد بات عجزنا مركبا، وعصيا على التغيير ولا يمكنه التحديث إلا بالصدمة والإصلاح من فوق وبشكل مباشر، فقد غرقنا بالفساد واغرقنا الدول به، وانبتنا ثقافة ورعاة له.
لزمن مضى كان خطاب الامة مقبولا، والأمة العربية باجماع الكثيرين من الدارسين شكلّت كياناً ثقافياً واحتمالا سياسيا واحدا في آن معا، وحسب رأي الدارسين لتكوين الأمة العربية، وعلى رأسهم عبد العزيز الدوري صاحب الكتاب الأهم في هذا المجال وهو» التكوين التاريخي للأمة العريية»،يعتبرون ان للغة الدور الأهم في إنشاء وولادة الكيان العربي، بمعنى اكثر وضوحا كان تكوين الأمة متطابقا بين حدودها الجغرافية والجماعة الثقافية.
أما الدولة القُطرية فهي كيان سياسي لا يستند إلى خلفية ثقافية مشتركة بل يتناقض معها، والأرجح أن كل كيان قُطري هو أقل تماسكاً من كيان الأمة مجتمعة، وهو الأكثر تعرضا للاختلافات المحلية، ومنذ قيام أول ثورة وطنية في مصر ثم استقلالها عام1922 وحتى استقلال أخر دولة عربية جيبوتي عام 1977 ولليوم، فشلت الدولة القُطرية في خلق حالة التجانس وصهر مواطنيها في بوتقة واحد، وكان الصراع بين متطلبات بقاء الدولة وحقوق المواطنة ماثلاً وهو الأبرز دون حل لمشاكل المجتمع والمواطن وهذا ما أفرز حالة من الفصل بين الدولة والرعايا، كما رافق ذلك فشل في النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وإزالة الاحتلال والخروج من عمق الهزيمة، وفشل في الحرية والتقدم ...ألخ.
خلال نصف قرن من عمر الدولة القُطرية العربية بعد الاستقلال العربي، أي في النصف الثاني من القرن العشرين، عاش المواطن العربي سنين قمع، وصار القمع جزءا من طبيعة الدولة، لا بل هو طبيعتها الوحيدة حيث إنه أفضل الصور المعبرة عن وجود السلطة، والدولة هي الممارس الفعلي للقمع، بالمعنى الذي تبناه ماكس فيبر ثم التوسير.
وحين ذهبت الدول العربية إلى مؤتمر مدريد كان ذلك بداية فصل جديد في تاريخ النظام السياسي العربي الذي واجه الانهيار برعاية امريكية اسرائيلية، وبالرغم أنّ التوقيت كان مناسبا بعد ذلك لتبلور حالة من الوعي في الشارع العربي إلا أن الشعوب لم تستغل الفرصة، وظل الجمهور العربي يرفل بحلل الإزدوجية في الولاء والتبعية وفوق كل ذلك التشكيك باي صيغ إصلاحية ممكنة.
مع بداية عقد التسعينات كانت الفرصة مناسبة لإجراء إصلاح شامل بدون ضغوط، وكان الشارع مؤهلا لذلك لكن العزوف الجماهيري عن ذلك كان شبه شاملا، وبالرغم من محاولات بعض الدول في التوجه للإصلاح السياسي عبر الديمقراطية، ومنها الأردن، إلا أن إشكالية الانكار للديمقراطية كانت هي الابرز في المسألة عند بقية الدول، فالانتماء للديمقراطية مدخله مسألة الحرية، والانتماء ليس التبعية لهوية بقدر هو نوع من القابلية السياسية تجاه خلق مشروع هوية، وهذا المشروع يجب أن يكون سياسيا بالدرجة الأولى، فكل فرد بشري هو متعدد الهويات والحرية هي إمكانية الخيار بين الهويات، ولا حرية دون الإقرار بحقيقة التعددية ضمن الفرد اولا، ودون فرض الخيار ثانيا والاختيار هو الحرية. هو قرار الإنسان أن يكون هو لا ان يكون الآخر أو الموضوع لغيره ولا يكون الغير آخر له.
الدستور -