إعلان بومبيو: الدوافع والتداعيات
اعلان مايك بومبيو وزير الخاريجة الامريكي مشروعية الاستيطان في الضفة الغربية يحمل دلالات مهمة للادارة الامريكية -التي يواجه رئيسها ترمب اجراءات العزل داخل الكونغرس- إلى نتنياهو الذي بات مهددا بجولة انتخابية جديدة تفاقم عجزه وفشله.
فرغم الدعم الذي تلقاه من حليفة في واشنطن ترمب ومن خلفه صهرة جارد كوشنير في الجولة الاولى من الانتخابات في نيسان الماضي بإعلان الاعتراف الامريكي بالسيادة الاسرائيلية على الجولان، الا ان النتائج جاءت متواضعة ولم تحسنها الجولة الثانية من الانتخابات في ايلول الماضي، برغم وعود نتنياهو لناخبيه من اليمين الاسرائيلي بضم غور الاردن الى السيادة الاسرائيلية.
الاهم ان سياسة ترمب اليمينية المتطرفة في التعامل مع الملف الفلسطيني لم توقف الحملة على الرئيس، ولم تمنع من تفجر المزيد من الفضائح السياسية التي كان آخرها فضيحة المكالمة المشهورة بين ترمب والرئيس الاوكراني.
العجز والارتباك داخل الادارة الامريكية الناجم عن بدء اجراءات العزل والاستماع الى شهادات المسؤولين السابقين، وعلى رأسهم السفيرة الامريكية السابقة في اوكرانيا، دفع الرئيس الامريكي من جديد للبحث عن انتصارات وانجازات تعزز مكانته داخل اليمين الامريكي، وخصوصا في صفوف الانجيليين؛ فترمب فاخر في احد اللقاءات بأن شعبيته في اسرائيل كبيرة تؤهله لمنصب رئيس الوزراء، معبرا في ذات الوقت عن استيائه من عجز الكيان الاسرائيلي عن تشكيل حكومته، وفقدانه القدرة على عرض مشروعه «صفقة القرن»؛ فترمب يبحث عن انتصارات تبعد الانظار عن المشهد الداخلي المضطرب لإدارته.
اعلان بومبيو بهذا المعنى جاء ليقدم من جديد دعما مباشرا لنتنياهو وحكومته في مواجهة خصومه في الكيان الاسرائيلي، وعلى رأسهم غانتس، بل انه يعطي قوة دفع لطرح مشروع قانون لضم غور الاردن الى الكيان، معززا بذلك من مكانة نتنياهو وترمب في اوساط اليمين في الكيان الاسرائيلي وامريكا.
رغم قوة الخطوة وصخبها إلا ان ارتداداتها المباشرة كانت في امريكا واوروبا والكيان الاسرائيلي؛ فردود الفعل الاولى على اعلان بومبيو جاءت من الاتحاد الاوروبي الذي استبق الخطوة بأيام بإعلان المحكمة الاوروبية العليا ضرورة وسم منتجات المستوطنات في الاسواق الاوروبية لتتيح المجال لمقاطعي المنتجات تجنبها؛ اذ سارعت موغيرني ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي إلى تأكيد موقف الاتحاد الاوروبي من المستوطنات، باعتبارها غير شرعية ومخالفة للقانون الدولي.
لم يقتصر على الاتحاد الاوروبي ودوله؛ اذ اعلنت روسيا موقفها الرافض للاعلان الامريكي مستبقة كثيرا من الدول العربية؛ اذ اعتبرت الخارجية الروسية الاعلان مخالفة للقانون الدولي ولا قيمة له، علما بأن القرار يمثل انتهاكًا لاتفاقية جنيف عام 1948 والتي تؤكد عدم المساس بالواقع القائم في الاراضي المحتلة.
الاعلان ذو نكهة خاصة؛ فغانتس زعيم حزب (كحول لافان) عبر عن شكره وامتنانه للادارة الامريكية، اسوة بنتنياهو الذي اعتبر الخطوة الامريكية «تصحيحا لظلم تاريخي»، الا ان التوقيت بالتأكيد لا يعمل لصالح غانتس الذي يخشى من عودة ليبرمان الى صفوف اليمين والى حضن نتنياهو، فالخطوة تقوي فرص نتنياهو داخل صفوف اليمين؛ ما من شأنه ان ينعكس على جولة جديدة من الانتخابات البرلمانية بدأ نتنياهو الاعداد لها باتهام غانتس بالخيانة من خلال قوله ان الحكومة التي تعتمد على العرب في تشكيلها تمثل تهديدا مباشرا لأمن «اسرائيل».
في امريكا اندلعت المعركة اكثر وضوحا؛ اذ ربط بومبيو بين اعلانه وبين سياسة ادارة الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما، مبرزا الاجواء التنافسية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مطلقا حملة جديدة لدعم ترمب استعدادا لانتخابات 2020 والاهم لمواجهة اجراءات العزل والحملات الاعلامية الكبيرة التي تزداد قوة وفاعلية.
معركة تزداد وضوحا عند متابعة ردود الفعل داخل الساحة الامريكية؛ اذ سارع زعيم التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي بيرني ساندرو الى تأكيد عدم مشروعية القرار، وربطه برغبة ترمب في تدعيم مكانته، وتقوية اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الامريكية؛ فالمعركة اتخذت مسارا واضحا منذ الدقائق الاولى لإعلان بومبيو وهي معركة داخل امريكا والكيان الاسرائيلي بل داخل المعسكر الغربي بما فيه اوروبا؛ معركة يغيب عنها العرب الذين بقيت مواقفهم غامضة وباهتة رغم انها الاكثر تأثيرا في حسم ميزان القوة المضطرب في امريكا واوروبا.
ختامًا: المعركة تحوي فرصًا تاريخية غير مسبوقة، بيد ان ما يميزها غياب العرب والفلسطينيين، وتغيب كافة أدوات التأثير على تنوعها؛ معركة ان بقيت في ذات المسار وبدون تدخل، فإنها بالتأكيد ستحسم لغير صالح العرب والفلسطينيين لصالح اليمين والرؤية الاستشراقية في الدوائر الغربية والامريكية.
السبيل - الثلاثاء 19-11-2019