نحو «حصانة» تمنع الافتراء وتضمن العدالة
من المتوقع ان نسمع في الايام القليلة القادمة كلاما طويلا عن «قصة» الوزيرين اللذين طلبت هيئة النزاهة ومكافحة الفساد من مجلس النواب رفع الحصانة عنهما، تمهيدا للتحقيق معهما ومحاكمتهما امام القضاء.
في موازاة ذلك، احال رئيس الوزراء طلبين قضائيين برفع الحصانة عن نائبين، احدهما متهم بقضايا فساد، والآخر بقضايا ذم وتحقير، وبانتظار ما تقرره اللجنة القانونية بعد المدة المحددة (15 يوما) فقد استبق النائبان القرار بالطلب من المجلس رفع الحصانة عنهما .
لا استطيع التعليق ابدا على هذه الوقائع القانونية، وليس ذلك من مهمتي، كما لا اريد ان ادخل على خط قرارات المجلس النيابي برفع الحصانه او عدم رفعها، هذه المسألة من اختصاصه وهو من يتحمل ما عليها من تبعات، اكتفي هنا فقط بالاشارة الى قضية «الحصانة» التي يتمتع بها الوزراء والنواب والاعيان بموجب الدستور الاردني.
موضوع الحصانة مرتبط دستوريا (في الاصل) بما يتعلق بتأدية الوظيفة العامة المناطة بهؤلاء الاشخاص، لكن المادة (68) في فقرتها (1) منعت محاكمة النواب والاعيان بالمطلق، سواء تعلقت الجريمة التي اتهموا بها بوظائفهم العامة او بحياتهم الخاصة، فيما تنص المادة (56) من الدستور على انه لملاحقة الوزير عن الجرائم المتعلقة بوظيفته لا بد ان يصدر بحقه قرار احالة الى النيابة العامة وذلك بموافقة اغلبية اعضاء مجلس النواب .
لبعض فقهاء القانون في بلدنا رأي معتبر في الموضوع، سواء بحصانة النواب والاعيان او بحصانة الوزراء، يمكن بالطبع العودة اليه ومناقشته بهدوء، لكن ثمة نقطة مهمة وهي تشكل ذريعة لبقاء الوضع على ما هو عليه، اقصد ان يقال بأن من يتبوأ هذه المواقع بحاجة الى ضمانات لحمايته ومنع الافتراء عليه اثناء خدمتهم العامة، هذا صحيح، فبمقدور المشرع الدستوري ان يضع ما يلزم من ضوابط لمعالجة هذا الجانب بما يضمن العدالة للجميع بلا استثناءات ايضا.
ما حصل من سوابق على صعيد هذه الحصانة الاجرائية منذ استئناف الحياة البرلمانية (1989) يشير بوضوح الى ان ثمة خللا ما (هل اقول تعسفا..؟) قد حصل في استخدام هذا الحق الدستوري الذي انيط بالنواب، وربما تسعف الذاكرة القارئ العزيز باستعادة ما جرى مثلا في قضية الفوسفات (2012)، وقبلها قضية الكازينو (2011) وقضية الكابسات (2007) وغيرها، ثم ما شاب هذه القضايا من جدل حول امكانية رفع الحصانة او عدمه، وفيما اذا كان مفهوما ومقنعا ام لا، الامر الذي يجعل من المطالبة باعادة قراءة هذه « الامتيازات» بعيون مفتوحة على العدالة مسألة مشروعة وضرورية ايضا .
باختصار، لكي نطمئن الى ان الابواب التي يدخل الينا منها الفساد مغلقة باحكام، والى ان حماية الامتيازات في دائرة « لعبة الكبار» او تصفية الحسابات فيما بينهم يمكن محاصرتها وكشفها وسد الذرائع التي تتوسد بها، والى ان موازين العدالة انتصبت امام الجميع بلا استثناءات الا في حدود ما تقتضيه المصلحة العامة، لكي يتحقق ذلك لا بد ان يجلس فقهاء القانون في بلدنا بهدوء لاجراء ما يلزم، ولا اعتقد انه يوجد ما يمنع اذا جاءت الفرصة لفتح «الدستور»، هذا الذي يتوافق الاردنيون كلهم على احترامه والالتزام به.
الدستور -