التوابيت الطائرة
هل يمكن أن تُحمل في التابوت ثم تطير ثم تهبط على الأرض ثم تخرج من التابوت حيًّا مرة أخرى؟
نعم ممكن، فهي مغامرة يخوضها مئات آلاف الأردنيين يوميًّا!
يذهبون إلى الموت يوميا بأرجلهم ثم يعودون آخر النهار إلى الحياة من جديد إلا بعضهم فإنهم يغادرون إلى الأبد.
إنها رحلة الكوابيس اليومية، حيث ينصح فيها أن تكتب وصيتك وتؤمن أحدًا على عيالك وتتشهد ثم تتوكل على الله. لا لست ذاهبا إلى عملية استشهادية، بل لأنك قررت أن تركب تابوتا طائرا.
إنها المواصلات العامة وبالأخص قطاع الباصات الصغيرة (الكوستر) المنتشرة في كل المحافظات وبينها.
لا أدري ما نوع الرخصة التي يمتلكها أولئك الكاميكاز التي تؤهلهم لحفر القبور في نهاية كل نقلة، وإن لم ينزل الراكب في الحفرة فعلًا، فإن قلبه حتمًا سيكون في أخمص قدميه، وما إن ينزل من الباص حتى يحتاج إلى تنشق هواء نظيف والتأكد من أنه على قيد الحياة، ثم يرفع قلبه إلى مكانه.
يغدو أعتى الدكتاتوريين أقزامًا أمام أولئك الانتحاريين الكاميكاز ومساعديهم، فما إن تصبح في حوزتهم حتى يتحكموا بكل مجريات حياتك؛ تجلس حيث يأمرون، وتقف حيث يأمرون، ومتى يأمر يمكن أن تنتقل من مكان إلى مكان، ليس لك الحق في النقاش، ليس لك الحق في النزول أينما تريد، وإنما حيث يريد الكاميكازي ومساعده.
يتناجى الضحايا في التابوت، «يلعنون سنسفيل» أبو الكاميكازي، لكنهم لا يجرؤون على التصريح بآرائهم، تماما كما جمهوريات الموز!!
يتجلى غياب الدولة في تلك التوابيت الطائرة، فما إن تركب حتى تشعر أنك تطير فوق القوانين والأنظمة والتعليمات.
السبيل الثلاثاء 10/ديسمبر/2019