الفرح الحزين في مهد المسيح
لا يزال الفرح ممكناً في الأرض الحزينة، عيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم، المرأة الوحيدة التي ذكر اسمها في القرآن أربعا وثلاثين مرة، وسميت سورة منه باسمها، أم الطفل النبي الذي حملت به من روح الله وولدته يتكلم في المهد صبيا.
الاسلام كرم سيدتنا مريم وسيدنا عيسى عليه السلام على الضد من اولئك الذين لا يعترفون الا باليهودية ويريدون مكان مولد المسيح دولة يهودية بعد أن أقاموها العام 1948 واحتلوا مدينة الناصرة وكل مدن فلسطين.
فالقرآن الكريم يؤكد بتوليّة مريم، ابنة مدينة الناصرة في الجليل الفلسطيني، ونقاءها حين أتاها الملاك يبشّرها بغلام زكيّ يولد منها: «قال إنّما أنا رسول ربّكِ لأهب لكِ غلاماً زكيّاً، قالت مريم أنّى يكون لي غلامٌ ولم يمسَسْني بشرٌ ولم أكُ بغيّاً» (سورة مريم، 19-20).
ينفي القرآن كلّ تدخّل بشريّ في حمل السيّدة مريم للمسيح، فهو وُلد منها بصورة معجزة، حتّى أنّ القرآن يلعن اليهود الذين شكّوا بحمل مريم البتوليّ فاتّهموها باطلاً بالزنا، فيقول: «وَبكُفرهم (أي اليهود) وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً» (سورة النّساء، 156). هنا تجدر الإشارة إلى أنّ التلمود اليهوديّ يحتوي على الكثير من الروايات والقصص الملفّقة على السيّدة مريم وابنها، كما تقول بعض التفاسير.
ورد في إنجيل « لوقا « قصة ميلاد المسيح عليه السلام والتي تتفق مع ما جاء في القرآن : « وكان في تلك الكورة رعاة فقراء، يقومون بحراسات الليل على رعيتهم، وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب حولهم، فخافوا خوفاً عظيماً، فقال لهم الملاك : « لاتخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم، يكون لجميع الشعب، إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح «. تجدر الاشارة هنا الى ان مدينة داود كانت تطلق على بيت لحم حيث ولد السيد المسيح.
بعد 2019 سنة على مولد السيد المسيح فان اعداءه بالأمس هم أعداؤه اليوم، ها هم يحتلون ويدنسون مهده وكنيسته والأرض التي ولد وعاش فيها، يدعمهم قلة أوهموهم ان المسيح لن يعود الا اذا سيطر اليهود على الأرض المقدسة، دون أن يجرؤ أحد على ذكر من «صلب وقتل» المسيح كما يعتقدون.
بلاد الشام كلها بلد السيد المسيح وتلامذته المخلصين، فهو ولد وامه في فلسطين، وتعمد في نهر الاردن، وكان العشاء الأخير من سمك طبريا، وها هم الأقربون له يحتفلون في الـ 25 من ديسمبر من كل عام بعيد ميلاده، وهو اليوم الذي يكون فيه النهار في أقصر الوقت والليل في اطوله خلال العام.
ففي فلسطين تتعدد أسواق عيد الميلاد وتتنوّع، ليس بانتشارها الجغرافيّ والقائمين عليها مثل بلديّة رام الله، ومركز السلام - بيت لحم، وكنائس وأندية ومؤسّسات مختلفة، بإقامة أسواقها منذ بداية الشهر، عارضة احتياجات الناس في عيدي الميلاد والبربارة، متضمّنة أنشطة عدّة، من فعاليّات ترفيهيّة للأطفال، وألعاب، ومسابقات، إضافة إلى تراتيل العيد والجوقات.
تتركّز الاحتفالات بطابعها الدينيّ في مدينة بيت لحم، مهد المسيح، حيث يجتمع آلاف الفلسطينيّين والحجّاج الأجانب في المدينة لحضور طقوس الميلاد في كنيسة وساحة المهد.
ما يميّز احتفالات فلسطين بعيد الميلاد أنّها احتفالات لأهلها جميعًا، مسيحيّين ومسلمين، وأنّها لا تقتصر على الطابع الدينيّ؛ إذ لها دلالات وطنيّة، لما تتضمّنه سيرة المسيح من آلام واضطّهاد وملاحقة، تمثّل ما يعانيه الفلسطينيّون يوميًّا على يد الاحتلال.
تضيق إسرائيل الخناق على الفلسطينيين، وتحد من حرية حركتهم وممارستهم لمعتقداتهم الدينية، ويبقى الفلسطينييون مسلمين ومسيحيين في خندق واحد، يتشاركون الألم والأمل، ويصلون من أجل تحرير أرضهم من الاحتلال، وليعم السلام والأمان كامل التراب الفلسطيني.
قبل عدة سنوات بلغ التوحش الاسرائيلي مداه فاستشهد عدد من الشبان الفلسطينيين. دعا بعض رجال الدين المسيحيين الى الغاء الاحتفالات تضامناً وتاكيداً على وحدة الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين، لكن بعضهم كان له رأي آخر :»لم لا نحتفل ونتحدى الاحتلال باننا شعب لا نهاب الموت ولكننا نتقن فن الحياة والبقاء «. ترك الأمر لكل طائفة أن تتخذ ما تراه مناسباً.
انها حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال الاسرائيلي.. يتقنون فن الحياة و يحزنون بفرح !
الدستور -