لماذا تغير طعم الكستناء؟

تم نشره الثلاثاء 31st كانون الأوّل / ديسمبر 2019 12:28 صباحاً
لماذا تغير طعم الكستناء؟
جهاد المنسي

أعادتنا حبات المطر التي جادت بها السماء نهاية الأسبوع الماضي على مدار ثلاثة أيام لأوقات مضت كانت أجمل؛ عندما كانت الأسرة كلها تتجمع في غرفة واحدة أمام مدفأة فوجيكا أو علاء الدين، وكان إبريق الشاي الأزرق أو الأبيض أو الأصفر متمترسا فوق المدفأة لا يفارقها إلا إذا أرادت الأسرة ممارسة طقوس الشتاء كشوي البطاطا أو الكستنا، التي قد يمر الشتاء كاملا دون أن تنعم بعض الأسر بها لارتفاع ثمنها، ولكن ذاك لم يكن يفرق كثيرا طالما أن الأسرة مجتمعة.
كانت ليالي وأيام الشتاء رغم قسوتها وضيق ذات اليد جميلة، فيها من رائحة المحبة ما فيها، وبين جوانبها ألفة بِتْنا نفتقد معانيها هذه الأيام؛ ولذا ترانا نحنّ لأيام الشتاء تلك كلما بدأت حبات المطر بمداعبة شبابيك بيوتنا، ونستذكر لياليها.
وقت ذاك وعندما كنّا صغارا كانت الحياة أسهل، والتفاعل بين الناس أعذب، وشعور الجار بوجع جاره أكبر، وقتها كانت أغاني فيروز تطربنا عند أول حبات الثلج، فحفظنا تلك الأغاني عن ظهر قلب وباتت عادتنا في كل شتاء، نردد حتى اليوم مع أول حبات المطر (شتي يا دنيا شتي ليزيد موسمنا ويحلى، وتدفق مي وزرع جديد بحقلتنا ويعلى)، كما كنّا نطرب ونحن نسمع صوت فيروز يأتي عبر التلفاز ليخبرنا بقدوم الثلج (ثلج ثلج عم بتشتي الدنيا ثلج) وكانت مسرحيات زمان أكثر متعة، وتلامس وجداننا، وترسم الضحكة على شفاهنا رغم المآسي التي كنّا نعانيها، ولكن كانت اللمة التي تجمنا معا، ونسمع فيها مشاكل بَعضنَا البعض تردم الكثير من مشاكل النهار وتغير مزاج الفقر قليلا، اما اليوم فقد بتنا نتحدث مع أجهزتنا المحمولة بدل الحديث مع عوائلنا، ونادرا نستمع لمشاكل بعضنا البعض، ولذا لم يعد للشتاء ذات المعنى الذي كنا نلمسه أيام زمان، ولم يعد طعم الكستنا هو ذاته، ولم يعد صوت البطاطا وهو على المدفأة يطربنا كما في السابق، فباتت الحياة أصعب، وخيوط التواصل تقطعت.
أيام زمان كنّا أكثر حبا، وأقل سوداوية، كانت قيمة الدينار أكثر بركة، والأسعار أقل بكثير، والناس أكثر مودة، وكانت حبات المطر أكثر ولكن تصريف مياه المطر كان أسهل فلا فيضانات ولا مشاكل تصريف وتجريف، وكانت النخوة والفزعة بين الناس أوسع وأشمل، فالجار للجار ولو جار، وبنت الجيران أخت وزوجة الجار أم، والمودة موجودة.
إذا ما الذي غير حبات المطر؟ لماذا لم تعد حبات البطاطا كما كانت؟ ولم تعد جلسات الشتاء بذات الحب والود والعاطفة؟ لم يعد الدينار يقنع ابننا الصغير كما كان سابقا، ولم تعد أغاني فيروز تتردد على شفاه هذا الجيل كما كانت سابقا، حتى رائحة الشتاء تغيرت، ليس بسبب التغير المناخي فحسب بل بسبب تغير النفوس والأمزجة، والنَّاس.
نعم تغيرنا، بتنا أكثر تشكيكا ببعضنا البعض، أكثر فسادا وإفسادا، أكثر مناطقية وجهوية وتعصبا، وأكثر سوداوية، بتنا نلهث أكثر وراء لقمة العيش ولا نجد لها سبيلا، تغيرنا فتغيرت حبات المطر، تباعدنا، فهجرنا الشتاء ولم يعد يزورنا إلا قليلا، ضاعت منا المودة، فضاعت بيادرنا وحقولنا ومزارعنا، ولم تعد سلة غذائنا كما كانت سابقا، ولم يعد شتاؤنا كما كان.
تغيرت نفوس المسؤولين عنا فلم يعد الهم على المال العام كما كان سابقا فارتفعت المديونية، وزادت البطالة وتوسعت جيوب الفقر، وزاد التضخم وسعر الكاز والغاز والبنزين بات بالعالي.
تغيرت حبات المطر، فلم تعد تملأ سدودنا، وإن فعلت تفيض فتأخذ منا ما تأخذ، وتداهم بيوتنا ومزارعنا، تغيرنا جميعا، فتغير الشتاء والمطر، فبتنا نفتقد جلسات وأغاني وألفة زمان، ونفتقد رائحة الشتاء وطعم البرتقال حتى أن طعم الكستناء قد تغير.

 الغد 30-12-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات