كابوس المديونية.. الأولوية في العلاج
اكبر تحد يواجه الاقتصاد الوطني في المرحلة الراهنة هو كيفية التصدي للنمو السلبي للمديونية العامة التي باتت تقلق صانع القرار، وتؤثر سلبا على الجهود التي تبذلها الحكومات لتحسين بيئة الأعمال وتحفيزه وزيادة جاذبيته.
فمن يصدق أن موازنة الدولة التي بلغت 9.8 مليار دينار تشكل خدمة الدين وحدها ما يقارب 11 بالمائة منها بعد أن بلغت الفوائد في هذا العام ما مقداره 1.254 مليار دينار، وبارتفاع ناهز الـ 30 بالمائة عما كان عليه في سنة 2019 والتي كانت خدمة الدين بحدود الـ 1.03 مليار دينار.
أرقام المديونية ما تزال مقلقة منذ العام 2012، ومسلسل الزيادة السلبي مستمر دون توقف، ومنذ ذلك الوقت تضاعفت المديونية بشكل كبير، وتشير آخر الإحصائيات إلى أن صافي الدين العام بلغ في نهاية شهر تشرين الأول من العام 2019 حوالي 28.92 مليار دينار، أو ما نسبته 92.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المعاد تقديره العام الماضي، في حين بلغ إجمالي الدين العام حتى نهاية شهر تشرين الأول الماضي حوالي 30.195 مليار دينار أو ما نسبته 96.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المعاد تقديره لعام 2019.
الملاحظة في النمو الجنوني للمديونية خلال الفترة (2012-2019) هو ان معدل النمو الاقتصادي في هذه الفترة لم يتجاوز في أفضل حالاته الـ 2 بالمائة، وهذا يدلل على أن العقبة الرئيسة التي تقف في وجه محاولات الحكومة في التصدي للمديونية، فالأساس هو تحريك عجلة الاقتصاد وتحفيز القطاعات الإنتاجية الداعمة الأساسية للنمو.
أي خطة لتخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي هي خطة إجرائية مزدوجة الإجراءات والسياسات تتطلب تخفيض العجز في الموازنة العامة كخطوة أولى، وتحقيق نمو أعلى في الناتج المحلي الإجمالي.
معالجة مشكلة الدين العام، تتطلب وضع خطة طويلة الأمد لتحقيق ذلك، وتعتمد هذه الخطة على جهود جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها لإنجاحها، وهذا يكون من خلال التزام الفريق الحكومي كاملا بتطبيق خطط خفض الإنفاق ووقف الهدر في المال العام من الجميع، تحت طائلة المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية، فالجميع وزراء مالية في الالتزام الكامل بقانون الموازنة.
من جانب آخر يتطلب الأمر زيادة الإيرادات المحلية من خلال التطبيق الدقيق لقانون الضريبة العامة على المبيعات، وقانون ضريبة الدخل، ووقف التهرب الضريبي الذي يشكل تهديدا صريحا للعدالة الاجتماعية في المجتمع، مع مراجعة قانون الضريبة العامة على المبيعات لسد الثغرات التي تتيح التهرب والتجنب الضريبي، بالتوازي مع زيادة كفاءة تحصيل المستحقات من الأموال العامة، مما يتطلب مراجعة شاملة للقوانين ذات العلاقة، وأسلوب تحصيل هذه الأموال.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فلا بد من تطوير أسلوب إعداد الموازنة العامة لتعكس بصورة أدق الإيرادات المتوقعة، والنفقات الحقيقية التي تحتاجها أجهزة الدولة لإدامة عملها، ولعل تقديرات أرقام موازنة 2020 خطوة في الاتجاه السليم والرشيد.
إن تحديد أولويات وطنية يتم بموجبها تخصيص المبالغ اللازمة لتنفيذها، مثل: تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، والنقل العام، والأمن والدفاع والصيانة للبنى التحتية من جسور وطرق وسدود، مسألة في غاية الأهمية الاقتصادية، وتحتاج إلى تفكير وإرادة استراتيجية قادرة على التخطيط الرشيد لنفقات الدولة.
الأمور السابقة تطويرها أساسي في خطة مواجهة المديونية التي يجب أن تتضمن إجراءات تطوير إدارة الدين العام، والعمل باستمرار على إيجاد قروض ميسرة بدلاً من القروض عالية الفوائد؛ بهدف تخفيض عبء الدين العام وتيسير التعامل معه.
ومن اجل تفعيل النمو لمواجهة أعباء المديونية يتطلب من الحكومة زيادة الاعتماد على مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والقطاع الخاص، لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، وقد يكون مبلغ الـ 108 ملايين دينار المرصود في الموازنة لهذه الغاية خطوة صحيحة لكنها لا تكفي من ناحية الحجم الذي يتطلب إعادة النظر فيه بالموازنات المقبلة لضمان نمو اكثر فاعلية.
الغد - 14-1-2020