قبرص واليونان وموسكو وعقدة الورقة المصرية
لم تمض ساعات قليلة على مغادرة الجنرال حفتر موسكو دون التوقيع على وثيقة وقف اطلاق النار حتى اعلن عن زيارة مفاجأة لرئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي للقاهرة، في محاولة لإقناع القاهرة بمسار موسكو انقرة لفض النزاع في ليبيا، والذي اطلق العنان للجهود الالمانية لعقد مؤتمر برلين؛ فمصر مستاءة من تراجع مكانتها ودورها، وتحولها الى مراقب غير فاعل للمسارات السياسية الاساسية في المنطقة.
للمرة الثانية، وخلال اقل من شهر تحولت القاهرة من لاعب اساسي وشريك الى لاعب ثانوي ومراقب من قبل قوى راهنت عليها القاهرة كحليف او شريك سياسي؛ فما واجهته القاهرة في ليبيا لا يختلف عما تواجهه شرق المتوسط مع شركائها القبارصة الروم واليونانيين.
فبعد مرور ما يزيد على عام على اطلاق منتدى غاز المتوسط، برعاية القاهرة الذي ضم كلًّا من اليونان وقبرص والكيان الاسرائيلي، اعلنت الكيانات الثلاثة قبل اسابيع قليلة تدشين خط انبوب الغار الاسرائيلي المار بقبرص واليونان دون مشاركة القاهرة؛ فالكيانات الثلاثة ترسم مسارا منفصلا عن القاهرة؛ مسار يسير بالتوازي مع مسار ترسمه أثينا اليونان مع تركيا وروسيا من جهة اخرى لاستكمال مشروع سيل الغاز التركي.
ما حدث في موسكو عاد ليؤكد ان شبكة العلاقات التي تملكها القاهرة في المتوسط هشة وضعيفة سرعان ما تتلاشى في لجة مياه البحر المتوسط؛ فالقاهرة عولت كثيرا على الدور الروسي في احتواء انقرة بل في الضغط عليها احيانًا اخرى، وكوسيط في حالة ثالثة، الا ان القاهرة لم تتوقع ان تتحول أنقرة وموسكو الى شركاء سياسيين في ليبيا، وان تمتد الشراكة الى اليونان؛ فالقاهرة تحولت الى مجرد ورقة تلوح بها الاطراف في مساوماتها السياسية مع تركيا بشكل اساسي، لا أكثر ولا أقل للأسف!
المشهد ذاته يتكرر في البحر الاحمر ووادي النيل، فالخرطوم تخط مسارًا منفصلًا عن القاهرة في ملف سد النهضة، مدفوعة بضغوط الازمة الاقتصادية والعقوبات الامريكية، في حين ان الوساطة الامريكية في ملف النهضة غير مضمون كغيره من الملفات؛ فالولايات المتحدة لديها حساباتها التي تتجاوز أمنيات وزير الخارجية المصري الراغب في وساطة امريكية، تدار حاليا من قبل وزير الخزانة الامريكي منوشين الذي يتعامل مع القاهرة كورقة يلوح بها في وجهة الخرطوم وأديس أبابا.
زيارة جوزيبي كونتي ترافقت مع اعلان مصري عن مناورة ساحلية ثانية في المتوسط، وعن استنفار في الجيش الثالث والثاني المصري وصل بين شمال سيناء وجنوبها، وامتد الى المنطقة المركزية والحدود الليبية السودانية؛ فمصر تحاول لفت الانظار الى قوتها العسكرية كورقة سياسية؛ وذلك لأن القاهرة اكتشفت وعلى حين غرة أنها بدون حلفاء! وجل ما تحاوله هو تكرار العقيدة السياسية الروسية القائلة بأن حليف روسيا هو جيشها.
فهل تنجح المناورات المصرية، والتحركات العسكرية في تخليص القاهرة من عقدة تحالفاتها الهشة والضعيفة؟
السبيل - 14-1-2020