هندسَةُ العالم لمحمَّد عبد المنعم زهران
المدينة نيوز: صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط -إيطاليا، مجموعة قصصية جديدة للكاتب والقاص المصري محمّد عبد المنعم زهران، بعنوان: "هندسَةُ العالَم"، وفي كتابه القصصي الرابع يُدخلنا الكاتبُ إلى عوالمهِ الغرائبية دونَ مقدماتٍ، ومنذُ قصة "الفيلة" التي تنوي هدمَ المدينة، وصولاً إلى آخر قصة "أريد أن أكونَ نجمة" مروراً بـ "هندسة العالم" وغيرها من قصص المجموعة الثلاث عشرة، سنجدُ أنفسنا أمام بواباتٍ هائلة لهذا العالم، الذي هندسه زهران بسلسلةِ حكايات متماسكة وعلاقات إنسانية تستند إلى واقعٍ يتقاطعُ مع المتخيّل الميتافزيقي، سعيًا وراء توليفة ساحرة من الأحداث والمشاهد والأبطال الهامشيّين؛ هكذا وأمام تلك الأبوابُ المقفلة بمفاتيحَ ضخمةٍ لا نحتاجُ لوضعها في القفلِ وتدويرها إلا للحظةِ تأمّل وتركيز ذهني نتقمّصُ فيها الضمائر التي تقفُ وراء كلِّ قصة، حتّى تلك التي يتحدّث فيها الكاتبُ على لسانِ الحيواناتِ والأشياء.
في عالمِ زهران، الذي يأخذُ هندسته من الحكي، والانشغالِ بالتفاصيل المُغيَّبة في زحمةِ الحياة، نكتشف أنَّ ملامحَ المدينةِ، بمزاجها المتعب والمتقلّب، ما هي في الأخير سوى ملامح ساكنيها، في المركز والأطراف، في الشوارع، وفي العتمة التي تضيئها الكتابةُ الذكية، حين ترسمُ لنا حيواتِ شخصياتٍ يجعلُنا القاصُّ نُحبُّها ونهتمّ بها، ونعود معها إلى البيت، أو نرافقها إلى منازل الجيران، ونحو الحقول، وأكثر؛ نحلم أحلامها، ونرى كوابيسها، نشعرُ بمخاوفها، ونشمُّ روائح الشرّ حولها كما الحبّ وكلّ المشاعر الإنسانية المتناقضة.
سنلتقي بفيلةٍ هائجة، وغرفة تسحبها سحابة، و"حياة بجوار الحياة"، نقرأ في بدايتها، ما يشبه البيانَ الإنساني: ... لكلِّ هذا، لا تقتلْهُ، يا ولدي! وتذكَّرْ باستمرار أن هناك قواعد للعيش، يتحتَّم علينا أن نحافظ عليها، قواعد ارتضيناها منذُ أزمنة سحيقة، ولكنها باقية أبدًا كالنهر القديم في سره الرتيب. الحياة تمضي هكذا، بإمكاننا أن نمضيَ بجوارها، فنواصل العيش أو أن نتوقَّف، فنهلك.
لا تقتلْهُ!! وضعْ في قلبكَ قبسًا من ضوء الشمس، وافهمْ!!
" هندسَةُ العالَم" مجموعةٌ قصصية جديدة لـ محمّد عبد المنعم زهران، ضمّت 13 قصةً، وجاءت في 128 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة "براءات" لسنة 2020، التي تُصدرها الدار منتصرةً فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
من الكتاب:
صراخها سيسبق رؤيتها بالتأكيد، وهي تندفع بأقدامها الثقيلة، فترتجُّ الأرض. فيَلةٌ غاضبة تندفع بسرعة جياد، ولن يكون بإمكان أحد أن يتخيَّل أنها مجرَّد فيَلة ضخمة ثقيلة وبطيئة، ربَّما سيعتقدون أنها سحاب أسود مخيف، دبَّت فيه الحياة فجأة؛ فبدأ يصرخ ككائنات لا ملامح لها. في هجومها الرهيب، ستنخفض رؤوسها قليلاً، ليصطدم الجزء الأكثر صلابة بكل العمارات والأبراج والحدائق، بكل الوزارات والقصور والمتاحف وملاعب الكرة ومبنى التليفزيون المحلِّيِّ، هذا طبعاً بعد أن تطحن أكواخ وعشش الفقراء على أطراف المدينة، ستُسوِّي بالأرض كلَّ شيء، وتحيله إلى أنقاض.
المؤلِّف:
محمَّد عبد المنعم زهران قاص وكاتب مسرحي مصري. صدر له في القصَّة القصيرة: "حيرة الكائن"، الشارقة، 2002، وطبعة ثانية في القاهرة، 2016. "بجوارك بينما تمطر"، مصر، 2013. "سبع عرباتٍ مسافرة"، القاهرة 2017. وفي المسرح كتب وأصدر: "أشياء الليل"، الكويت 2000. "زيارة عائلية"، مصر، 2013. تحصَّل على عدَّة جوائز في مجاليْ القصة والكتابة المسرحية، منها عربيًّا: الجائزة الأولى في مسابقة سعاد الصبّاح للتأليف المسرحي، 2000. وجائزة الشارقة للإبداع العربي في القصة القصيرة، 2002، كما نال جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة – القصة المفردة 2000، وجائزة أخبار الأدب للقصة، 1999.