تحليل : الأردن وخيارات المنطقة الصعبة
المدينة نيوز :- كتب الدكتور فراس الشياب تحليلا بشان صفقة القرن نعيد نشره لأهميته :
الحمد لله والصلاة والسلام على خير عباد الله أما بعد: اليوم وانا احاول أن أسطر حروفي، أتكلم مع نفسي أولا ومن ثم الإخواني أهل هذه البلد الطيب أهله - الان حديث القلب للقلب، وبصراحة ومكاشفة دون كبير مقدمات، فاري الأردن وقد توحد عليه | العالم من مراكز قوى عالمية لا ترى في الأردن سوی هدف محتمل لسياستها المفروضة، وعلى الاردن الرضوخ لها، وبين مواقف الدول عربية ما عادت كالسابق وتبحث عن مصلحتها فقط دون و اعتبار لمصلحة الأردن وموقفه و ممانعته، وبعضها توحدت مع الصهاينة في صف واحد مقابل الاردن بكل مكوناته، وقد تخلت كلها عن فلسطين، فما عاد في قاموسها شيء اسمه فلسطين، فأصبح الأردن وحيدا، يبحث عن صديق هنا وهناك عله يسعفة، ولكن هيهات، فتلكم الدول بالكاد تنجو من بطش امریکا ولا تريد من فرعون هذا العصر - أمريكا سوى السلامة منه، وما عاد بريق الأخلاق والإنسانية والمبادئ والصداقة يغري تلكم الدول كثيرا، فقد أصبع بريق الذهب والنفط هو الأغلى لديها وهي مستعدة أن تضحي بدول لأجل الهيمنة على المنطقة باي شكل، وإن أدى ذلك الى قتل الملايين. تلكم الدول آن شئت سمها بأي اسم كان، فهي لا ترى سوى مصلحة اسرائیل فوق اي اعتبار، وهذا يؤكد على استعلاء بني اسرائيل الذي تكلم عنه القران الكريم. وفي هذا الخضم يجد الأردن نفسه في وسط هذه المعمعة قليل الخيارات، يخشى على نفسه من موقف مخالف لتلكم القوي فيهدر بها امنه وامانه، فماذا يفعل؟ كنا في السابق أيام دولة الإسلام الراشدة فالأموية فالعباسية فالعثمانية نمتدح الدول التي صالحت المسلمين وتعقلت عندما رأت قوة الجيش الإسلامي فصالحته وهادنته، وبالتالي لا ينكر علي عاقل تبصره بقوة خصمه سواء كان الخصم القوي مسلما كان أو كافرا، ولأجل ذلك فلا بد من مزيد من التعقل، وخاصة مع استفزاز الكيان الصهيوني اليومي بقصد اظهار الأردن غير قادر على الوفاء بالتزاماته امام المجتمع الدولي، فيعلن الكيان الصهيوني باجراءات فردية أحادية الجانب صفقة القرن واسقاط اسم دولة فلسطين من حساباته، وقد يصحبها اجراءات تصعيدية من طرفه باتجاه الأردن، وهذا بحاجة منا إلى تبصر وتأني وحذر، حتى لا تنجر الأردن الساحة الفوضى، وهذا ما لا نريده. علينا أن لا نغامر بالأردن باتخاذ مواقف كبيرة لا يستطيع الأردن اقتحامها حاليا. وفي المثل الشعبي: "قيس قبل ما تغيص" فلا بد أن ندرك مرامي المواقف والمكان الذي ستصل اليه، حتى لا نؤذي الوطن، ولا ندخله في مواقف محرجة نحن في غنى عنها، ولا ينفع هنا أن نقول: كل انسان مسؤول عن نفسه، أو اتركهم يدبرون حالهم أو ينزعوا شوكهم بأيديهم، فلسنا في مقام المعاتبة والتلاوم أو اثبات | المواقف ولا نجد الوقت لذلك، فنحن جميعا على سفينة الوطن الواحدة، جميعا في الهم متوحدون ولا يجوز الانسحاب أو الهجوم أو أن نساهم في بذر الفرقة والتشظي في هذه اللحظات الخطيرة الحاسمة والتي لا تسهم بالحل بل تزيد من المشكلة. فإن النصر مع الصبر وأنا أقرأ كثيرا من التحليلات والتوقعات عن صفقة القرن وأثرها على الدولة الأردنية بشكل خاص أو هكذا يقال وإن كنت أرجح أنه لا مفر ولا مناص عنها، أجد كثيرا من الكتاب قد شحذ قلمه متأهبا ليكتب حول هذه الصفقة في غضون الأيام القليلة القادمة والتي يعلم الجميع أنها ليست لمصلحة الأردن ولا فلسطين، وقد بدأت الأفلام بالتسخين المبدأي من باب الانذار للتنبيه بمخاطر الصفقة وهذا حق وجهد مقدر نشكره ونحن مع هذه الأقلام قلبا وقالبا، وهناك أقلام للأسف بدأت كعادتها بالاتهامية ولا يرضيها شيء، بسبب أن بوصلتها مشوشة، لا تدرك تبعات الظروف الاقليمية القائمة وما يتحتم علينا القيام به مضطرين غير مختارين، وكارهين غير محبين، ونسأل الله أن يكفينا شرها بالأمس غير البعيد كان جلالة الملك عبدالله الثاني يتكلم ب "لاءاته الثلاثة، مطالبا منا أن نراجعة ان تغير موقف الدولة يوما، والأمر في رأيي أكبر من مجرد موقف مراجعة بقدر ما هو أمر محتم الوقوع علينا تفادي أكبر أخطاره ودفع أكبر شروره بأقل الخسائر. حيث يمر الأردن وفلسطين بأحلك الظروف والأوقات، ولا يزال الأردن ممسكا بزمام الأمور، محاولا جهده أن يبقى الوطن واقفا، ويبقى أمن الناس وعيشهم بدون مخاطرة، ليبقى الأردن بكل مكوناته قائما فلا يسقط، حيث إن سقوط الأردن في الفوضى - لا سمح الله - أو اللعب بهذه المغامرة بمواقف أو الضغط عليه بها ستكون نتائجة كارثية على مستوى الأفراد والوطن التي قد تطيح به. والأردن اليوم أمام تحديات صعبة منها مخالفة قرارات مراكز قوى العالم التي تملك أوراقا كثيرة حساسية نحن لا نملكها. فرفقا ببعضنا ورفقا بهذا الوطن، وأن لا نضربها على الفخارة كثيرا فتكاد تنكسر، لذلك علينا في هذه الظروف أن ندرك حساسية الموقف، فنتوحد ونثق بأنفسنا ونمتن ثقتنا ونجددها بربان السفينة، جلالة الملك الذي يحاول جهده تجنيب الأردن تلكم الصعاب، فلا نريده ملتفت اللخلف في الأردن خشية عليه، فإن كثرة الالتفات تذهب التركيز وتقلل من فرص تحسبين الموقف الأردني، فلا يخشى الربان من شعبه ولا عليه، فلا أقل من توحد الصفوفة بين مكونات الدولة الأردنية شعبا وقيادة وحكومة في هذه اللحظات الصعبة حفاظا على الوطن ومكتسباته، فلا يكون الأردن هدفا كباقي الدول المجاورة. اندرك أن الأردن يملك أوراقا حاول بها لفترة الضغط على المجتمع الدولي لاقناعه بعدالة موقفه من القضية الفلسطينية، ولكننا ندرك أيضا أن العالم ومراكز القوي لا تهتم كثيرا للعدالة كما تهتم لمصالحها وتعديل موازين القوى لصالحها فالقضية لا تخاض في غمار وأروقة الأمم المتحدة ولا البحث عن عدالة الموقف، وإنما فيما تفرضه الدول الكبرى من مواقف على الدول الصغيرة، والأردن في هذا الشأن ليس استثناءا، فقد كان العراق وكانت مصر وكانت ليبيا وكانت سوريا، ونحن نرى اليوم مآلات هذه الدول الأسر ليس تخييرا بين ممكن وأحسن منه امكانا، فقد انتقلت الخيارات الى مربع السيء والأسوأ، والعاقل من يعصبها قبل فوات الأوان، ويجبرها قبل أن تكسر والدولة الأردنية فيما تفهمه من تحركاتها تحاول أن تبقى في المربع الأنسب والأحسن والأكثر فائدة لها، ولا زالت محافظة على مواقفها حتى كانت الوحيدة التي تشاغب على قرارات أمريكا بشأن القدس والمستوطنات، مما يعطيك صورة واضحة عن واقع الحال للقرار السياسي. وأما فلسطين الحبيبة، فإن كانت فلسطين قد فاتت وهي محلة الان فلا تغامر بالأردن بإهدار أمنه فتكون بذلك قد خسرنا الأردن وفلسطين معا. وإن كانت فلسطين وأهلها ينتفعون من الأردن بشیء فافهم سیفوتون ذلك بقوات أمن الأردن، وان كان الأردن واحة أمن لنا نحن أهل الأردن ولجميع دول الجوار فلا تهدر هذا الأمن بحال، فنحن الأردنيين ليس لنا مكان تذهب اليه سوی ترابا هذا الوطن، ولذلك يجب علينا الدفاع بكل ما أوتينا لإبقاء هذا الوطن و اقفا قويا، وان كان هناك موقف صعبة فلنتجاوزه من حدة المواقف واللسته بأقل الخسائر. وهذا يعني التخفيف ، و هذا يعني التخفيف من حدة المواقف والتشنجات بشأن قضية فلسطين ولا نحمل الأردن تبعات قضية فلسطين وحده، فمن حق الأردن أن يدافع عن وجوده وبقاءه، ولنترك الامر الضالیف، دون أن ينتقل الخلاف للداخل، وأن نرص الصفوف بين جميع مكونات الدولة الأردنية، ولنؤكد الثقة التي كانت ولا زالت أكبر ضامن بيننا. بعض الناس تزعجه الصراحة، وهذا حق لا بأس به، ولكن الأمور الخطيرة لا بد فيها من المكاشفة وتبصر العواقب، حتى لا نخدع أنفسنا بمواقف قد توقعنا بمواقف حرجة تكلفنا كثيرا من أمن وأرواح ابناء هذا الوطن. فهذا الوطن الحبيب يستحق أن نبذل لأجله الغالي والنفيس، وهو مستقبل أولادنا فلا نهدره بمواقف متشنجة، غير مدروسة العواقب بسبب خلاف في تقدير المواقف وأما أن يقول أحدهم: فليذهب الأردن للجحيم، فهذا شخص عديم المسئولية، وعلينا الوقوف بوجهه والرد عليه، فالأردن ليس ضعيفا لهذه الدرجة، ولكنه يختار الأسلم تقديرا للواقع وضعف الناس وعدم ادخالهم في مواقف يرى الخسائر فيها أكبر على الشعب بكل أطيافه ومنابته وأصوله إن الحفاظ على الأردن مصلحة وطنية عليا يجب أن نضعها في سلم أولوياتنا في المرحلة الحالية والقادمة، وعلى جميع من يسكن ثرى الأردن ما دام قبل به وطنا أن يساهم بدوره بتعزيز أمنه وسلامة أهله وتمكين وحدته ورخاءه وتقدمه، وعدم الخوض بأي شان يخالف هذه الأولوية. | وقد يطيب للبعض القول بأن الدخول في صفقة القرن خيانة ومعصية الله ورسوله وجماعة المسلمين. فماذا نفعل أذا أعلنت من جهة واحدة وعلينا فقط تلقي الضربات؟ وماذا تفعل اذا دخلناها مضطرين؟ وأيهما أفضل برأيكم: الدخول بها لتجنب أكبر قدر من الضربات، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب للوطن، أم انتظار الضرية تلو اختها دون وضوح الرؤية؟ كما أني أتساءل: أين هم جماعة المسلمين؟! فقد توحدت غالب المواقف الرسمية العربية مع الجانب الآخر ضد الأردن وفلسطين معا، وأما الأردن في موقفه الصعب هذا الذي لا يحسد عليه فإنه إنما يفعل ذلك مضطرا و غير مختار، وللضرورة فقهها وأحكامها. وأما الفتوى بوجوب مقاومة هذه الصفقة غير متكافئة القوى فقد يدخلنا في أنفاق مظلمة لا ندري عواقبها ولا يجوز المراهنة عليها. كما يعرض حياة الناس عموما للخطر، ونحن في غنى عن ذلك، فإنما يدفع الخطر الأكبر بالأقل خطرا. وترك ساحة الفتوى دون تقدير الحال الناس في الأردن والموقف السياسي إنما يدخلنا في فوضى بعيدة عن الواقع. ولكن ما لا خلاف عليه هو: أننا في حال ضعفنا هذا لا يعني أن نحيب الصهاينة، وإنما علينا واجب غرس مشروع تحرير الأرض كل الأرض والإنسان كل الإنسان في قلوبنا جميعا حتى يحين وقته. وقل عسى أن يكون قريبا. ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.. ولنترك تلكم الموجة الكبيرة تمر وليس لنا قدرة مدافعتها، ونستعين بمدافعة القدر من الله تعالى، فقد يكون في هذه الصفقة ما يكون سببا في نقضها من داخلها أو من غيرنا فان الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، كما أن الله يدافع عن الذين آمنوا، وخاصة فيما خرج عن قدرتهم، ويبقي علينا حينها اصلاح الحال مع الله في الإقبال عليه ومقاومة فساد نفوسنا وفساد مجتمعاتنا، حتى إذا قبلنا الله بدل حالنا لتبدل نفوسنا وأحوالنا. اهل الأردن خيارات أخرى؟ هذا الأمر يقدره أصحاب القرار جلالة الملك والحكومة والسياسيون المخلصون، فهم على علم بكامل التفاصيل، ولا داعي لمحاولة فرض رؤيا ينقصها المعلومة، فالمعلومة اليوم هي مصدر القوة، وهي الأساس في الحكم على الموقف، ويكفينا مخاطبة للعواطف ودغدغتهاء فنحن بحاجة لمخاطبة العقول وتقدير الأنسب. وهذا وقت المكاشفة والوضوح وتحمل المسئولية، وعلى ضوء ذلك يتخذ الموقف الأنسب حسب امكانات الأردن بما يعظم مصلحته وبقاءه. وفي هذا الصدد يتعين على دولتنا التحرك بجد وقوة في تقرير الشفافية والعدل والإصلاح ومقاومة الفساد وحل ملفات الوطن الكبيرة واطلاق الطاقات والحريات وتمكين الشباب وجميع قطاعات الوطن. وعدم السماح لهذه الملفات أن تكون قنابل موقوته من الممكن أن تنفجر في أي لحظة إذا تركت دون علاج حقيقي بعيد عن الفساد. ۲۰۲۰/۰۱/۲۱ م