الإعفاءات
لا يمكن لأي مشروع اقتصادي استثماري أن ينجز على أرض الواقع من دون أن يحصل على إعفاء تمنحه الحكومة له بأشكال متنوعة، تسهم في النهاية برفع قيمته وزيادة الجدوى الاقتصادية له.
في الأردن، كان موضوع الإعفاءات على مدى الأعوام الأخيرة محل جدل دائما ما بين مؤيد ورافض لآلياتها وأشكالها، فالأعوام الماضية كانت مليئة بقرارات رسمية تمنح لمستثمرين إعفاءات لمشاريعهم تحت مبررات مختلفة أهمها: تشجيع جذب المستثمرين وجذب الاستثمارات الأجنبية للمملكة بهدف زيادة النمو وخلق المزيد من فرص العمل.
على أرض الواقع، كانت الحكومات تمنح المستثمرين الإعفاءات المتعددة تحت الشعار نفسه، ولكن بأشكال متنوعة، مما أدى إلى ازدواجية في أشكال الإعفاءات الممنوحة بين المستثمرين ذوي الفئة الواحدة أيضا، فمنهم من يحصل على الإعفاءات الكاملة لكل مشروع، ومنهم من يحصل على أقل من ذلك.
حتى الاستخدام لتلك الإعفاءات خالف في كثير من الأحيان الهدف الأساسي من منحها للمشروع، فبعض المستثمرين استغلوا تلك الإعفاءات وباعوا مشروعهم مباشرة لمستثمر آخر مستغلين القيمة الجديدة للمشروع بعد حصوله على الإعفاءات، والبعض الآخر حصل على إعفاءات قد تعادل قيمة الاستثمار الفعلي إن لم يزد على قيمة وكلفة المشروع ذاته.
نعم هناك تشوهات كبيرة في آليات منح الإعفاءات نتيجة غياب المسطرة الواضحة في تطبيق آليات تلك الإعفاءات وكيفية حصول المستثمرين عليها، ومن هي الجهة التي تمنحها لهم.
في الحقيقة أدى تزايد الإعفاءات إلى هدر العديد من الضرائب والرسوم؛ إذ يُقدّر حجم الإعفاءات التي يتم منحها في المملكة بنحو (1,300) مليار دينار، وتصدر هذه الإعفاءات من جهات متنوعة من أبرزها: قرارات مجلس الوزراء، وإعفاءات المناطق التنموية، وإعفاءات قانون الاستثمار، وإعفاءات سلطة العقبة، وإعفاءات اتفاقيات دولية.
كل هذه الجهات مخولة بحسب القانون بمنح الإعفاءات لأي جهة استثمارية كانت وبأي قيمة أيضا، فلا يوجد أي مراقبة أو تقييم أو تحديد لتلك الإعفاءات من قبل تلك الجهات، وهنا تدخل الواسطات والمحسوبيات لدى الجهات السابقة والقوى المتنفذة في الحصول على أكبر حجم من الإعفاءات، وهذا بحد ذاته تشوه وفساد إداري خطير، حتى ولو كان صادراً عن جهة رسمية.
الأصل في الإعفاءات أن تكون صادرة عن جهة رسمية واحدة لا أكثر، بمعنى أن يكون هناك مرجعية واحدة لمنح المستثمرين الإعفاءات وهي هيئة الاستثمار لا غيرها، وتكون مناطة بأحكام قانونها، وآليات منحها تكون مناطة بمعادلة تنموية استثمارية تعود بالنفع على طرفي المعادلة الاستثمارية من حيث القيمة المضافة التي يجب أن تتوفر بها تلك المشاريع التي تمنح الإعفاءات، من حيث قدرتها التشغيلية للأيدي العاملة المحلية واستخدامها مدخلات إنتاج وطنية، وقدرتها على تطوير بيئة الأعمال وجذب المستثمرين وزيادة الصادرات الوطنية وتعزيز استقرار احتياطيات العملة الأجنبية.
من دون توحيد آليات منح الإعفاءات تحت جهة رسمية واحدة وتحت مظلة قانونية واحدة، ستبقى الاختراقات والتسلل من القوى النافذة للحصول على إعفاءات السمة الأبرز والأضعف في بيئة الاستثمار المحلية.
الغد