مكنوزات في المشهد السياسي العربي الراهن
![مكنوزات في المشهد السياسي العربي الراهن مكنوزات في المشهد السياسي العربي الراهن](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/80718.jpg)
استغرب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من ازدواجية معاملة الاتحاد السوفييتي السابق بينه وبين صديقه الزعيم اليوغوسلافي الراحل جوزيف بروز تيتو (مؤسس الفيدرالية اليوغوسلافية السابقة ) فقال ل (بريجينيف) عجبي عندما يأتيكم جمال عبدالناصر تحتفل موسكو وترفض استقبال صديقي تيتو . فأجابه الزعيم السوفييتي : عندما يقول عبدالناصر (عدم الانحياز )تفهمه الولايات المتحدة أنه منحاز الي وعندما يتفوه تيتو بعدم الانحياز فان أمريكا تفهمه أنه منحاز ضدي . مغلقا باجابته محاولة التوسط الودية بين يوغوسلافيا والاتحاد السوفييتي.
سقت هذه الحادثة التي قالها لي احد المقربين من المستشرق اليوغوسلافي (يوشكو استانكوفيتش) ألملحق الثقافي في سفارة يوغوسلافيا في منتصف الثمانينات من القرن الماضي وسفير جمهورية مقدونيا (بعد انفصالها) عن الفيدرالية اليوغوسلافية في كل من القاهرة والدوحة. للدلالة على مقولة مفادها أن لا مذهب للسياسة على الاطلاق. فصديقك اللحظة قد يصبح عدوك غدا والعكس صحيح.
أمريكا وحلفائها يدركون تماما أن الزعامات العربية من خلع منها ومن ينتظر هم الأفضل بالنسبة لسياساتها في الشرق العربي كاملا. باعتبارهم قمعيون استبداديون ولن ينجح أي منهم في الوصول لمستوى القيادة على الصعيد القومي . فقد تدخلوا في شؤون بعضهم البعض لعقود من الصراع لم يفلح فيها أي منهم باستقطاب جماهير الآخر فكان المشهد بالنسبة اليهم اكثر من مريح.
الآن أصبحت أمريكا وحلفها في ريب مما يحدث في بلداننا من المحيط الى الخليج. وزاد في ريبتهم الامكانيات الهائلة في مكنوز الثورات التي تشهدها الساحات العربية.
ألولايات المتحدة لم تعد تطيق الحرب على عدة جبهات وهي تفقد توازنها الدولي. والاتحاد الأوروبي لن تكتمل وحدته في أوروبا كما قال الرئيس الأمريكي السابق(جورج بوش ألابن) وأكد أكثر من مسؤول أوروبي أن بلغاريا ورومانيا آخر مسمارين في نعش الاتحاد .وها نحن نشهد افلاسات العديد من بلدانه. فالاتحاد ما هو بشكله ووضعه الحاليين الا قوى كبرى تستعمر قوى صغرى باسمه.
الثورات العربية التي ينشغل المحللون والمراقبون بمكنوزها العظيم أحدثت شروخا هامة في صفوف الأعداء والمستعمرين السابقين. وبدأت سياسة التمحور تظهر في الأفق بانتظار حرب كونية قادمة علينا الاستعداد لها بعلم وشجاعة لا بجهل وجبن.
فبريطانيا العظمى سابقا تخشى خوض أية معركة فتنهي نفسها بانفصال ذاتي. والدهاء البريطاني في السياسة لن يفيدها هذه المرة فالعرب لن ينسوا وعد (بلفور المشؤوم) وبلجيكا قائمة بالدواء المسكن وووووالخ. والجنوب الشرقي لأوروبا مهدد باشتعال معارك قد تمتد لوسطها وغربها . واليمين المتطرف قد يصل الى السلطة حيث النعرات القومية تزداد باضطراد وبشكل متسارع. ولم يعد يفيدنا مصطلح (عدم الانحياز) بتاتا.
فنحن منحازون الى أرضنا من المحيط الى الخليج وثورات أهلها أحفاد صناع التاريخ الانساني لا الديموقراطية الاستعمارية ومن يسير على نهجها عائدون على ظهور دبابات الأعداء . وأخيرا أللهم اكشف لنا الأعدقاء لأنهم متسترون ويظهرون ما لا يبطنون.