نحو البناء على اجتماع عمان البرلماني العربي
الاجتماع البرلماني الذي عقد في عمان السبت الماضي أظهر بشكل جلي ان القضية الفلسطينية ما تزال قضية الشعوب العربية، وان اولئك الذين يتسللون خلسة للاتصال بالكيان الصهيوني، او يصفقون لترامب ونتنياهو وهم يعلنون (سرقة القرن) لا بواكي لهم حتى من ابناء بلدهم، فالموقف ضد التطبيع وضد الصفقة القرن واضح، ولم يستفد اولئك المتواصلون سرا او علنا مع الكيان الا إراقة ماء وجههم شعبيا وإنسانيا، ووطنيا.
الحقيقة التي ما تزال واضحة ان جل شعوب العرب مع القضية الفلسطينية وضد صفقة القرن، وذلك السواد الأعظم يؤمن ان القدس عربية فلسطينية، وليس هذا فحسب، بل يؤمن بما هو اكثر، فلو أجرى اي معهد محايد استطلاع رأي على الشعوب العربية من محيطها لخليجها وسألها عن الكيان الصهيوني ووجوده على أرض فلسطين لخرج بجواب واحد مفاده ان سواد الشعوب يرى ان فلسطين كل فلسطين محتلة، وان لا مكان للكيان الصهيوني بيننا.
أجزم رغم ضبابية المشهد، ورغم ما غرسه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من صراعات داخلية في دول المنطقة ان جل شعوب العرب لم تنسَ ان الكيان الصهيوني سرق فلسطين، وان واشنطن ساندته في سرقته تلك، لا بل شجعته.
ولهذا فإن البرلمانيين العرب – ربما جلهم وليس كلهم- باعتبار ان هناك مجالس غير منتخبة، اولئك البرلمانيون عكسوا مواقف شعوبهم، فرأينا وسمعنا كلمات تعكس حقيقة المشهد، وهو مشهد يتعين على واشنطن رؤيته بوضوح، اذ لا يمكن لواشنطن مهما امتلكت من حلفاء في المنطقة ومطبلين إقناع شعوب العرب بصفقتها الأحادية تلك، لا بل ان العداء للولايات المتحدة ارتفع وزاد، وهو امر يتوجب على الدولة العميقة في الولايات المتحدة رؤيته.
وأيضا فإن واشنطن إذا أرادت إشاحة الوجه عن موقف شعوب العرب، يتعين عليها رؤية حالة الانفصام التي تعاني دول رحبت سرا بالصفقة، وأوصلت لواشنطن وتل ابيب موافقتها عليها، وأولئك لم يستطيعوا الدفاع عن مواقفهم في اجتماع وزراء خارجية العرب، لا بل رفضوا الصفقة بالإجماع وأدانوا التطبيع ايضا، وهذه رسالة لواشنطن مفادها ان اولئك الذين يتوسلون عند اعتاب البيت الأبيض سرا ليس بمقدورهم الدفاع عن مواقفهم، وليس لهم القدرة ليكونوا لاعبين فاعلين في المنطقة، فالبعض ومهما علا شأنه سيبقى في مؤخرة التأثير في العالم العربي.
الحقيقة الثابتة ان واشنطن رغم ما فعلته في المنطقة وبحواضن العرب الا انها لم تستطع خلق حواضن جديدة، اذ ستبقى دمشق وبغداد والقاهرة وعمان هي الدول المؤثرة في الفعل والمشهد العربي.
الحقيقة الاخرى التي يتوجب رؤيتها بشكل واضح ان مجلس النواب الاردني ورئيسه عاطف الطراونة خلال عام من ترؤسه لاتحاد مجالس البرلمانات العربية نجح في إدامة توجيه بوصلة اهتمام البرلمانيين العرب تجاه قضية الشعوب المركزية وهي القضية الفلسطينية، وان البرلمان الأردني يحسب له تمسكه الدائم وموقفه الحاسم ضد التطبيع وصفقة القرن، وتمسكه بالوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وهو موقف حمله مجلس النواب في المحافل الدولية والإسلامية والعربية.
بعيدا عما يراه البعض، وما يحمله البعض الآخر من طموحات كانت ترى ان المواقف يتوجب ان تكون أقوى، وأشمل، فإن ما خرج يمكن البناء عليه وتعزيزه، ولذا فإن المؤمل أن تبدأ الترويكا العربية البرلمانية جولاتها في العالم لهدف حشد الرفض لصفقة القرن وتعزيز محور رفضها.
الواضح أن واشنطن اعتقدت أن قوتها وحضورها في العالم سيمكنها من فرض ما تريد بالقوة، بيد ان المواقف التي خرجت سواء من قبل العرب والاتحاد الاوروبي والعالم الاسلامي والاتحاد الأفريقي والصين وروسيا الرافضة للصفقة تجعل موقف الرافضين لها أقوى وأكثر إقناعا، لاسيما وانها تجاوزت الشرعية الدولية والقرارات الامنية.
الغد