مشهد مقلق
حجم الإشاعات التي يتداولها المجتمع يوميا لا يمكن إلا أن يكون نابعا من عدم الثقة بين الشارع والحكومة.
خلال الأيام القليلة الماضية تداول المواطنون إشاعات طالت كل مؤسسات المجتمع، من رجال أعمال وشركات وشخصيات مختلفة ومرافق تاريخية وحتى المؤسسة العسكرية والأمنية لم تسلم من تلك الإشاعات التي يجري تداولها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، والأغرب من ذلك هو كيفية تعاطي المجتمع مع تلك الإشاعات على اعتبار انها حقيقة واقعة، وبعد ثلاثة أيام فقط من انشغال الرأي العام بها تختفي لتأتي شائعة أخرى، وهكذا ينشغل المواطنون من جديد بتداول قصص واخبار كاذبة، وقد يكون بعضها صحيحا لولا التضخيم عليها مما شوه الأساس وأفقدها مصداقيتها.
حالة الاستياء الشعبي عامة، وهي نتيجة تراكمية لسياسات مختلفة هدمت جدار الثقة بين المواطن والحكومة خاصة ما يتعلق بالشأن الاقتصادي والمتمثلة بارتفاع كُلف المعيشة بشكل خاص، وهذا الشعور أمر طبيعي في ظل الأجواء الراهنة وعدم الوصول إلى أهداف تنموية كانت الحكومات السابقة على الدوام تتحدث عنها بأنها ستكون في متناول أيدي المواطنين الذين سيلمسون الآثار الإيجابية للإجراءات والسياسات المختلفة خلال فترات معينة ومحددة، والنتيجة أنها لم تتحقق للأسف.
في ظل ذلك، الأجواء المشحونة توفر الأرضية الخصبة للإشاعات الهدامة التي تنخر في منجزات الوطن وتهدم كل ما هو جميل.
ولا نبالغ إن وصفنا ما يتعرض له الوطن من إشاعات بأنه أسوأ من الزلازل والأعاصير التي تضرب كل شيء عند حدوثها مع فارق أن الإشاعات الهدامة تضرب كل ما هو حقيقي وجميل وتغتال الإنجاز وتحطم المعنويات وتثير الفتن والأكاذيب، وتهدم المنجزات الاقتصادية بنشرها الأكاذيب والتصريحات المضللة، والأسوأ من ذلك كله عندما يقود هذه الإشاعات من هم محسوبون على الدولة ورجالاتها، فمن باب المناكفات يتم تداول الإشاعات ونشرها على اعتبار أنها مسلمات صادرة منهم بشكل معيب وفاضح على أمل أن يعودوا لكرسي السلطة.
فعلا نحن لا نبالغ إن قلنا بأن المملكة تتعرض الآن لأسوأ إعصار من الإشاعات المبرمجة الهدامة، بهدف إثارة الفتنة وقلب الحقائق وضرب كل منجزات الوطن ومؤسساته الناجحة بالحديث الكاذب عن قصص واخبار كلها مع الأسف إشاعات مُبرمجة ومضللة وكاذبة لا أساس لها من الصحة وفندتها الدوائر المعنية بالأدلة والبراهين.
للأسف.. في زمن التسارع الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة يكون الاقتصاد هو الضحية الأولى لحرب الإشاعات وتضليل الرأي العام وخلق الفبركات متزامنا مع حالة تراجع الأخلاقيات والمبادئ في التعامل مع القضايا المختلفة بروح المسؤولية والوطنية، وهذا ما نعاني منه اليوم في مجتمعنا الذي لم يفرق بين ما هو صحيح وما هو كاذب، أو على الأقل لا يريد أن يصدق الحقيقة ويبحث عنها من باب المناكفات للحكومات وسياساتها من جهة، واستفادة فئات داخلية وخارجية من حالة التخبط في الإشاعات الهدامة.
ما يحدث في المجتمع اليوم هو نتيجة فقدان الثقة بين كافة مؤسسات الدولة والشارع، وغياب الإعلام الوطني المسؤول ذي المصداقية، فالكل في حالة شك تجاه الآخر، وهو ما يتطلب من الجهات المعنية إعادة ترميم جدار الثقة من خلال إعادة خلق لمؤسسات وطنية قادرة على الاتصال مع المواطنين وتمثلهم قولا وفعلا .
الغد