عدم الثقة وبيركليز وهيجل في الجامعة
كان بيركليز الذي عاش بين عامي (500- 429 قبل الميلاد) من أنبل عائلات أثينا، وهو من أعظم رجال السياسة في دولة أثينا، وربما اعظم الحكام القدماء، منحدراً من اسرة نبيلة، وعلى الرغم الرغم من نبالة أصلة ومزاجه الارستقراطي، فقد كان حاكما ديمقراطياً ومن أروع خطباء اليونان، ومن اشهر خُطبه الخطاب الجنائزي الذي ألقاء تكريما لمن سقط من ابناء أثينا في ساحة القتال ضد اسبارطه في سلسلة حروب طويلة خاضها معها.
كان بيركليز/ بيركليس سباقاً في الدعوة لحرية الرأي، قبيل رواد الأغريق أمثال سقراط وارسطو افلاطون، وقد دعا بشكل كبير إلى ممارسة المسؤولية في النقاش العام، داعيا كل إنسان إلى ان يبذل كل ما يستطيع بالحياة العامة لوطنه ولا ينكب على حاجاته الخاصة فقط، مع ضرورة المشاركة في السياسة فالناس سواء.
حرص الرجل على إدارة سليمة معافاة قاده للتشدد في فحص المرشحين للخدمة في المجالس الحاكمة، فاخضعهم إلى تدقيق شديد للتأكد من صلاحياتهم للخدمة العامة، بحيث يقضي على اغراءات السرقة والتلاعب بالحسابات.
وللتذكير بخطابه الشهير الذي رثى فيه قتلاه في حربه المديدة مع اسبارطه وقال فيه وهو حري بكل مواطن ان يقرأه اليوم بوعي:» وبالجملة أستطيع أن أؤكد أن أثينا هي مدرسة اليونان جميعا...ولكي تستوثقوا من أن ما أقوله ليس شقشقة باطلة، بل العبارة الصادقة عن الحقيقة الراهنة- أسائلكم أن تتدبروا القوى المختلفة التي يمنحها ما ذكرت من مثال، فأثينا من بين شعوب الأرض يصدق خبرها خبرها ما جد جد...دستورنا لا يثبت له في المقارنة دستور، الكل ينقل عنا بينما نحن لا ننقل عن أحد، لقد أسميناه ديمقراطيا لأنه يضمن الخير لأكبر عدد لا لأقله. نحن جميعا سواسية أمام القانون لا يتميز أحد منا بمجد إلا بمواهبه. والمواهب الشخصية لا الفوارق الاجتماعية هي التي تفتح عندنا أبواب المجد، وما للفقر أو تواضع الأصل أن ينحي مواطنا عن خدمة وطنه...نحن نعرف كيف نفهم مصالح الدولة ونكشف عنها بأنفسنا، وعندنا أن القول لا يضر بالعمل، بل الضرر هو ألا نستنير...» (انتهى الاقتباس)
في القرن التاسع عشر كتب هيجل مدخلا لفلسفة التاريخ في مخطوط اعد للنشر بعد موته، متحدثا عن الأفراد قائلاً: بقدر ما يكون لديهم حرية فهم مسؤولون عن افساد الأخلاق والدين وضعفهما، وأن علامة سمو المصير للإنسان، إنما هي في أن يعرف ما هو خير وشر، وأن مصيره متوقف على وجه الدقة، على قدرته في الاختيار بين الخير والشر. اي بكونه مؤهلا للحكم الخلقي على الأشياء.» ويضيف هيجل :»يجب علينا ألًا نأخذ العويل والنواح مرددين القول أن الطيبين الورعين هم في الأعم البؤساء على هذه الارض، على حين أن الأشرار والطامحين هم المحظوظون». (هيجل، محاضرات في فلسفة التاريخ، ترجمة عبدالفتاح امام ص 97.)
قد لا يعرف كثيرون ممن يقرأون المقال من هو هيجل، وهذا أمر طبيعي لكنه الآخر فيلسوف ألماني مهم، ولد عام 1770م في عصر التنوير الموغل في الايمان بالعقل والذي كان يشهد عصر نمو العاطفة والخيال او الرومانتيكية. وبالعودة لبيركليز/ بيركليس فإنه من المهم التذكير بكلامه حول الثقة والايمان بالبلد، ونعيده امام من يشكك بالدولة ومؤسسة الجامعة (أي جامعة اردنية لا اقصد واحدة بعينها) ولا يريد اداء الخدمة والتفاعل بالسبل التكنولوجية المتاحة لتعليم ابنائنا تفاعلا مع ازمة كورونا.. ويجب علينا ان ننحاز لأخلاق ديننا الحنيف.
الدستور