في الحجر المنزلي (4)..!
ما اليوم؟!
يختبر الذين في الحظر حالة جمعية من فقدان الصلة بالوقت – أو بضرورته. وباستثناء الذين يعملون من البيت ويتفقدون (الرزنامة) ليبقوا على صِلة، يفوّت المعظم معرفة اليوم والتاريخ، ويتذكرون السؤال عنهما عند نشوء حاجة ويدركون أنهم ضاعوا في الوقت- أو يضيعونه. ولا تبدو الحالة مؤقتة لأن أحداً لا يعرف متى يستعيد الوقت ضرورته. لم تعد نهاية الأسبوع تختلف عن وسطه وأوله؛ الأيام كلها تعوم في روتين مائع قلق.
* *
إيه جيوفاني
عبّر الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، عن حال كل الرجال –والنساء بدرجة أقل/ أو أكثر؟- حين نبهه مستشاره، جيوفاني غراسو، إلى تسوية خصلة من شعره قبيل مؤتمر صحفي. قال الرئيس: “إيه جيوفاني، أنا أيضاً لم أعد أذهب إلى الحلاق”. وانتشرت العبارة التي سرقتها الكاميرات على نطاق واسع في إيطاليا -والعالم، ومعها هاشتاغ “#إيه-جيوفاني” الذي اختزل حالة أممية من الفقدان.
الحلاقون أصبحوا غير لازمين في زمن كورونا -إلى حين- لأن تسوية الشعر “من الكماليات”. لكن أشباه “روبنسون كروزو” المشعثين العائدين من جزُرهم المقطوعة سيتعذبون بالانتظار عند أبواب الحلاقين بعد فك الحصار.
* *
“دبلوماسية الكمامات”
يضيف الوباء مفرداته وموصوفاته إلى اللغات والمفاهيميات، ويسجل نفسه، معجمياً، في التاريخ. في العلاقات الدولية، سيتم تطبيع مفهوم “دبلوماسية الكمّامات” التي يُنسب ابتكارها إلى الصين. ويتوقع المخطّطون الصينيون أن يكون لتدخلهم الناعم -تقديم الخبرة وأقنعة الوجه والمعدات الطبية للدول المضروبة بالوباء- تأثير كبير على صورة بلدهم– ونفوذه- في عالَم ما -بعد- كورونا. قد توازن “الكمامات”، بحقيقتها ومجازها، تدخل أميركا الخشن بالصواريخ. وقد تؤثر في إزاحة محور العالمية إلى الشرق.
أقنعة الوجه، الموحية بالتخفي؛التنكر؛ الاحتجاب والكثير من الانطباعات الداكنة، أصبحت الحدّ بين الحياة والموت– للطواقم الطبية التي تشتبك مباشرة مع الفيروس المتخفي بضآلته الغادرة. وهي وسيلتنا للاختباء من الوباء– ولو خلف هذا الدّرع النحيل.
* *
أيها العمرُ، ماذا فعلت؟!
منذ بداية شيوع الفيروس وأنبائه، ركّزوا على استهدافه بالقتل “كبار السنّ” بالتحديد. ولم يتحدّد بالضبط تعريف هؤلاء. مرة يقولون إنهم الذين فوق الخمسين، ومرة الذين فوق الستين، وأخرى فوق السبعين والثمانين. ووسط هذه المضاربة بالتصنيفات، يتأرجح الشيوخ بين الخوف والأمن. قد يتعللون بمسألة أيام: إذا كان العمر أقل من خمسين بأيام، فإنه من فئة الناجين– إلى حين؛ وإذا كان ستين عاماً ويوماً واحداً، فإنه من جماعة الهالكين المحتملين.
وليس هكذا فقط. في إيطاليا أولاً، جاهروا بالسؤال الأخلاقي، والعملي، عن أحقية المصابين الذين حالاتهم حرجة بأجهزة التنفس المنقِذة للحياة. تحدثوا بإلماح – صريح- عن أحقية الأصغر سناً بالفرصة. وفي أميركا، يناقشون أخلاقية التضحية بالمسنين من أجل الاقتصاد.
مثلاً، يقول نائب حاكم ولاية تكساس، دان باتريك (69 عاماً): “لم يتصل بي أحد ويسألني: “كمواطن مسن، هل ترغب في مقايضة فرصة بقائك مقابل الحفاظ على أميركا التي تحبها كل أميركا لأطفالك وأحفادك”؟ إذا كانت هذه هي المقايضة، فأنا مشترك”.
ويتابع باتريك: “وهذا لا يجعلني نبيلاً أو شجاعاً أو أي شيء من ذلك. أعتقد فقط أن هناك الكثير من الأجداد مثلي في هذا البلد… وأن ما نهتم به وما نحبه أكثر من أي شيء هو هؤلاء الأطفال”.
ربما لا يكون فرق سنوات أو تضحية “الختيارية” اختيارية إلى هذا الحد بعد كل شيء – ليس بالنسبة للفيروس صاحب القرار، على الأقل!
* *
الحاجة، والاختراع
أهل الخليل في فلسطين معروفون بالشطارة والمهارة – خاصة في شؤون التجارة. والفلسطينيون – بشكل عام- يجدون أنفسهم كثيراً أمام حتمية اجتراح شيء من العدم، كإستراتيجية للبقاء أحياءً أمام تهديد لا يكل.
الخليلي الشاطر، أمجد الزغيّر، تحول إلى رمز وطني ومُنقذ حين جلب من العدم مصنع “كمّامات” مهم في الضفة، والذي أصبحت دول عربية – والكيان الصهيوني نفسه- تطلب منتجه. وهو صانع أحذية، لا يربطه شيء بالتصنيع الطبي. لكنّه بدأ “مغامرته” التجارية بحدس التاجر والمنطق البسيط: اشترى كمّامة، ودرسها، واستشار صديقاً صيدلياً، وشرع في البحث عن المستلزمات والتقنيات. وفي مسألة أيام من التجريب والعمل بدأب النمل، أنجز وحده أفضل من دول: صنع كمامة صالحة، فريدة يُعرف مباشرة أنها فلسطينية.
الغد