القاص ناصر الريماوي: لم نزل تحت تأثير صدمة «كورونا» وتعاملنا معه يجب أن يخضع للموضوعية
المدينة نيوز: «دردشة ثقافية»، ذات طابع نقدي للراهن والمعيش، نطل من خلالها على عوالم مبدعينا الأردنيين والعرب، ونتأمل جانبًا رؤاهم الخاصة لكثير من المفردات، والصغيرة منها والكبيرة، ونتجول في مشاغلهم الإبداعية، ونتعرف من خلالها إلى أبرز شجونهم وشؤونهم..
دردشتنا الآتية مع القاص ناصر الريماوي*
* أبدأ من «كورونا»، ذلك الفايروس الذي راح يعصف بالعالم، بالناس، بالنظم السياسية والفكرية السائدة، بالكثير من العادات والتقاليد، ترى ما أبرز الأسئلة التي أثارتها في وجدانك تداعيات «كورونا»؟
- لا زال الناس في هذه الجائحة على اختلاف ثقافاتهم، ومدى تباين خبراتهم الحياتية المتراكمة، ونضجها لديهم، في حالة أشبه ما تكون بالصدمة.
فالتسارع الهائل للوقائع العالمية المرتبطة بهذا الشأن وتصاعدها المتواصل، كي تحط بيننا وبهذه السرعة فتغدو بعضا من واقعنا المعاش، هو ما أوجد هذه الصدمة، وبهذه القوة.
بعد أن كنّا نعتقد بأن الأمر سيظل بعيدا تماما عنّا، وسنظل نسمع عنه كأي حدث عالمي، قد لا يعنينا منه سوى الجانب الإنساني البحت.
هذا التسارع كان فظاً بما يكفي لتختلط الأمور بين الناس، حول جدية الأمر ومدى خطورته، بينما كان المآل المفاجىء، ونحن نغدو طرفا فيه، أكثر قسوة، فليمهل الأكثرية أو يمنحها وقتها الكافي لتستوعب الأمر، ويتسنى لها أن تقرر وفقا لوعيها حول كيفية التعاطي مع هذه الجائحة، على كافة الصعد.
لهذا أقول بأننا لم نزل تحت تأثير هذه الصدمة، وأي تساؤل حولها فهو ارتجالي، ولا يخضع لموضوعية الطرح في التعامل مع حدث كبير كهذا.
* تحديات جمّة تواجهها المجتمعات العربية، على الصعد كافة، ترى هل على المثقف أن يقوم بدور ما حيال مجتمعه؟ وما طبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به في ظل النظم السياسية القائمة؟
- عموما على المثقف أن لا يقتصر دوره إزاء المجتمع على الكتابة والتقصي الثقافي، مما يعني ولوجه إلى صومعة الفكر وانعزاله فيها، فهو يكون بهذا قد ابتعد كثيرا أو انقطع بكليته عن معاناة وهموم ذلك المجتمع.
بل عليه أن يسعى إلى التغيير إلى جانب نشطاء الفكر بما يمتلك من أدوات ليغدو دوره داعما ومساندا حقيقيا في تلمس الطريق نحو العدالة والحرية والتطور في جميع الجوانب الحياتية المهمة والضرورية.
على المثقف أن لا يستكين، وعليه أن يكون مشاكساً وفاعلا بما يمتلك من مزايا وقدرات، وحتى أدوات، يمكنه المشاكسة بفعالية عالية من خلال الكتابة والندوات وورش العمل الجماعي، والتحليل وغير ذلك الكثير.
* لم يزل سؤال التنوير واحدًا من أهم أسئلة الثقافة العربية، منذ أزيد من قرن، ترى هل استطاع المثقف العربي تقديم إجابة، أو شبة إجابة حتى، على ذلك السؤال؟
- الأمر برمته كان يحيل الخلاف بين المثقف والسلطة إلى صراع، يكون المثقف فيه الجانب الأضعف. هناك القمع دائما، وهناك بعض الأنظمة الدموية والتي تسعى بأكثر الأساليب قذارة لإقصاء المثقف وتصفيته، ليس بالضرورة أن تكون التصفية جسدية، فتلك الأنظمة لها وسائلها الخاصة، الأكثر فتكاً وعنفاً، من مطاردات وتضييق ومحاربة على صعيد الرزق وغير ذلك الكثير.
أعتقد بأن الإجابات تظل شحيحة ونادرة حول هذا الجانب في وطننا العربي الكبير، ومرتبطة باحتياجات الأنظمة وغاياتها وفقا لمنظورها السياسي العام في الحكم لكل مرحلة.
* في الوقت الذي نتأمل فيه بعض مرايا الثقافة العربية، ترى هل هي ثقافة حرّة؟ أم هل ثمّة هيمنة، أو أكثر، تمارس على هذه الثقافة؟ وإذا وجدت تلك الهيمنة، فما الذي تسعى لتحقيقه، أو ترسيخه ربما؟
- هناك مثقفون وأصحاب فكر تنويري، هذا مما لا شك فيه، لكن المشكلة في ارتهان الثقافة والفكر للمناخات المواتية؛ لما لها من تأثير مهم وضروري على نتاج منظومة فكرية حقيقية، قادرة على التغيير بحريّة، وكذلك على تنقله بفعالية وحريّة أكبر بين مختلف الطبقات الاجتماعية، وحتى بين الأجيال.
الهيمنة السلطوية وهي تتربع على سلم الأولويات هي من أكثر المعيقات للمناخات المواتية، المهمة، في الفكر والثقافة، وربما يأتي بعدها تغول الشللية والفساد الثقافي على سلّم الهيمنة الفظيع، مما يضاعف من تلك المعيقات.
* لعل أحد الحلول الناجعة في سبيل إشاعة الثقافة والمعرفة بداية، وتأصيل دورهما تاليا في المجتمع، يتمثل بالاشتغال على البعد الاقتصادي لهما، (وهذه سبيل لتحريرهما من سطوة السلطة المانحة بطبيعة الحال)، وهي المعادلة التي لم تتبلور بعد في عالمنا العربي، ترى كيف تقرأ هذا المسألة؟
- الواقع الثقافي يشير إلى هيمنة السلطة والشللية الثقافية على وسائل ومنصات الفكر والثقافة عموما. الإعلام الرسمي وغير الرسمي، ثم الصحف ودور النشر وحتى قانون المطبوعات في أغلب الدول.
المناخات المواتية لنتاج الفكر والثقافة والتي من أساسياتها استقلالية أو حرية تلك المنابر والوسائل، يكون أغلبها مرتهنا لتلك الجهات المهيمنة والفاعلة في الأساس، فكيف يكون التأصيل في هذا الجانب ممكناً؟ يصعب الجزم.
تجدر الإشارة إلى بعض الهيئات الثقافية، غير الرسمية، وسعيها الدائم للاستفادة من مرونة أغلب القوانين التي تسنها الجهات الرسمية، ليتسنى تجييرها لصالح الكاتب والمثقف، قدرالإمكان، ولغايات التخفيف من أعباء الحياة على كاهلة، الاقتصادية وغيرها.
ولكن الاستجابة وتفعيلها تظلان في نطاق محدود وضيق، أغلب الأحيان.
* ثمّة تسارع كبير يشهده العالم، في كل لحظة ربما، على صعيد التكنولوجيا والمعلومات، ترى هل أثّر ذلك على طقوسك الإبداعية في القراءة والكتابة؟
- التطور التكنولوجي بات له الأثر الواضح في سهولة التعاطي مع مختلف جوانب الحياة ومتطلباتها العامة، وهذا التطور يندرج بشمولية على كل شيء من حيث السهولة، ومنها بالطبع الجانب الثقافي.
فقد أصبحت مراسلة المجلات العربية والمحلية، الورقية مثلا، أقل جهدا، وصار هناك متنفس كبير للعديد من الكتّاب بنشر نتاجهم على صفحات المواقع الثقافية المنتشرة على امتداد الشبكة العنكبوتية الواسعة.
مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً أضحت منبراً فعالا للكثيرين في اجترار بعض المشاركات القيّمة وخلق حوارات موضوعية مهمة حولها.
وهنا أنا اتحدث عن بعض الجوانب الإيجابية من هذا التطور التكنولوجي الهائل.
لكن الجانب السلبي يتسيد أحيانا فيما يخص النشر والحوارات وإنتاج أنصاف بل وأشباه الكتّاب والمثقفين وغير ذلك.
أما الأمر المؤسف في هذا التطور التكنولوجي والمعلوماتي الهائل، والذي يمتاز بسهولة الوصول إلى ما نريد، هو أننا صرنا مع الوقت نستغني شيئاً فشيئاً عن المعرفة واستبدالها بالحصول على المعلومة فقط، كذلك صار أغلبنا يتخلى عن متعة وأهمية القراءة والمطالعة، لصالح التصفح السريع والعابر لمواقع التواصل الاجتماعي. وهنا تكمن المشكلة.
* ماذا عن انشغالاتك الراهنة؟ ماذا تقرأ؟ ماذا تكتب؟
- القراءة يمكن لها أن تتسيد المشهد الحالي، باقتدار، وأعني في هذا الظرف المحظور على المرء أن يتخطاه أو أن يقفز عنه لأجل نشاط آخر. أما الكتابة الإبداعية فيصعب معها التركيز لأسباب مرتبطة بحالة القلق المستشرية والتي تتناسل وتتشعب أو تنحسر وتضعف، وفقا لمستجدات الوباء.
مشروعي الأدبي الذي يتناول بعض الجوانب الثقافية والتاريخية من مدينة «الزرقاء»، وكنت قد بدأت العمل عليه منذ عام تقريبا، توقف الآن، وتحديداً منذ اندلاع الجائحة وما أحدثته من صدمة بسرعة وصولها إلينا.
هناك حالة ترقب دائمة للتطورات على صعيد الوباء، مصحوبة بمحاولات فهم صعبة ومستعصية لما يجري، تعمل على تشتيت ذهن المرء وتقعده عن أي نشاط محتمل.. ومنها الكتابة.
* ناصر الريماوي كاتب قصة قصيرة - مولود سنة 1967، في قرية بيت ريما/ رام الله.
انتقل إلى مدينة «الزرقاء» حيث تلقى تعليمه فيها، وأنهى الثانوية العامة في مدرسة المغيرة بن شعبة سنة 1986، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة دمشق سنة 1993. عمل في مجال تخصصه العلمي والأكاديمي؛ في الأردن (1994-1998)، ثم في السعودية منذ سنة 1998.
مؤلفاته في القصة القصيرة: «جاليريا»، «ميرميد»، «وردة لصيف واحد»، «ربع موجة حرّ».