هل يفقد “كورونا” الدولار بريقه ؟
على خلفية الازمة الاقتصادية العالمية التي ولدها فيروس كورونا المتجدد ، ومع اصدار الولايات المتحدة الأميركية حزمة تحفيز الاقتصاد التي بلغت 2 تريليون دولار ، ظهرت العديد من المقولات التي تجادل بأن الدولار على وشك ان يفقد بريقه وأن القوة الاقتصادية القادمة هي الصين، وأن مكانة الولايات المتحدة في تراجع قياسا ببعض القوى الصاعدة التي التقت في شنغهاي شهر آذار من العام الحالي ، والتي تضم اكبر الدول حجما من حيث عدد السكان والمساحة الجغرافية.
وخلال اجتماعها الأخير، اتفقت تلك الدول على ان تتبع نظام مدفوعات يجنب تلك الدول التعامل بالدولار ، وكذلك يجنب مصارفها التعامل مع البنوك الأميركية لتسوية تعاملاتها بعيدا عن الدولار، وأثار هذا الاتفاق شهية المحللين على ان هذه إشارة الى ان الدول الصاعدة بقيادة الصين ستتمكن من الحد مما يعرف بهيمنة الدولار على التعاملات المالية، فإلى أي حد يعتبر هذا الكلام صحيح؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي تتفق فيها مجموعة دول على تطوير نظام مدفوعات عالمي يحيد الدولار في التعاملات الدولية ، فدول الاتحاد الأوروبي عندما أعلنت العملة الموحدة العام 2002 وحققت الوحدة النقدية التي تعتبر ارقى اشكال التعاون الاقتصادي، وطورت نظامها الداخلي لتلك الغاية، لم تنجح بتعزيز مكانة اليورو في تعاملات التجارة الدولية، كذلك بقي الدولار يشكل حوالي 80 في المائة من احتياطيات البنوك المركزية في العالم ، ولم تتراجع تلك النسبة على مدى السنوات القليلة الماضية رغم الأزمات المتتالية في الأسواق العالمية، وذات الامر ينطبق على العملات العالمية الأخرى التي منها اليوان الصيني، الذي اصبح ضمن العملات التي تقيم على أساسها حقوق في السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي ، ورغم جهود الصين لتنظيم تجارة ما عرف ب”البترو-يوان” على غرار بتر-دولار ، أي تسعير اهم سلعة في العالم (النفط) بطريقة مباشرة في بعض التعاملات وبخاصة ما بين روسيا والصين ، إلا أن حجم التعاملات رغم الضمانات الكبيرة التي تقدمها الصين وتدعيم ذلك برصيد كافي من الذهب ، ما يزال محدودا جدا.
وهيمنة الدولار سببها الرئيسي هو الثقة في اقتصاد الولايات المتحدة الأكبر عامليا والأكثر انفتاحا بحجم بلغ في نهاية العام الماضي حوالي21 تريليون دولار، والاقتصاد الأميركي يتصدر اقتصادات العالم من حيث العديد من المؤشرات المرتبطة بالإبداع والابتكارات الجديدة، وهو المستهلك الأكبر عالميا، فالاقتصاد الصيني على سبيل المثال ، سيكون المتضرر الأكبر من تباطؤ الاقتصاد الأميركي ، وهذا يفسر استثمار الصين ما يعادل 1.7 تريليون في سندات الخزينة الأميركية وهي تشكل 5 ٪ من حجم المديونية الاميركية البالغة حوالي 23 تريلون دولار ، فكيف يمكن تفسير هذا الاعتماد المتبادل، وهل يمكن للصين ان تقرر غدا سحب هذه المبالغ؟ ان الاستثمار في سندات الخزينة يعكس الثقة الكبيرة التي توليها الصين لمنافسها الأكبر، والتي يهمها استمرار نسقه الاستهلاكي والانتاجي بما يعزز إيقاع العلاقة القائمة.
يخطئ من يظن ان الدولار في طريقه للأفول كعملة للتسويات الدولية، ويخطي من يظن ان أنظمة المدفوعات الجديدة التي تحاول بعض الدول اتباعها لتجاوز الدولار، فنظام الصين الخاص بالمدفوعات ينفذ معاملات في سنة كاملة تعادل ما يمر عبر مصارف نيويورك في يوم واحد.
لا شك ان ارتفاع المديونية وتخبط الإدارة الأميركية الحالية يعتبر مصدرا للقلق، لكن الطريق ما يزال طويلا جدا لبدء الحديث عن أفول الدولار ، وليسأل كل واحد منا نفسه ، هل هو على استعداد لاستبدال مدخراته مهما كان شأنها بعملة أخرى ، فما هي تلك العملة ؟ وأين يقع اليوان او اليورو او الفرنك السويسري منها ، وهل تلك العملات متاحة، حينما تختلف الإجابة على هذا السؤال على صعيد المصارف المركزية والافراد ، يصبح الحديث عن العملات الصاعدة واقعيا وليس عاطفيا، والدليل انه في اوج ازمة كورونا التي أحدثت تراجعا حادا في الاقتصاد الأميركي ، فإن الطلب على الدولار زاد وتحسنت مكانته عالميا مقابل بقية العملات.
الغد