“معلش شو صار..”
كما يقف جمهور المشجعين خلف فريق كرة القدم لإدامة المعنويات وحفز اللاعبين على الأداء نحتاج اليوم إلى التوقف عن اللوم والاتهامات ونهتف بصوت واحد “معلش شو صار.. الأردن زي النار”. فالأزمة عالمية ومعاناة البشرية لم تتوقف والأداء الأردني كان مميزا على كل المقاييس. صحيح أن ما حصل في الأيام الثلاثة الأخيرة مزعج للجميع لكنه لن يكن المرة الأخيرة وربما يتكرر مرارا. وهذه المرة لن تكن أول المشكلات ولا التحديات التي نتعاطى معها.
الأردن الذي يستعد للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس الإمارة وبناء الدولة ليصبح أقدم الأنظمة في إقليم شرق المتوسط يسطر إنجازا جديدا يضاف الى انجازاته التي تذهب في كثير من الأحيان دون ملاحظة او تقدير. فخلال القرن الماضي تمكن الاردن من التغلب على عشرات التحديات التي عصفت بالبلاد وقاوم مخططات عديدة بدأت مع الغزو الوهابي في عشرينيات القرن الماضي ومرورا بمحاولات الاحتلال وافتعال الأزمات الاقتصادية والصراعات الأهلية وإنشاء الأحلاف الهادفة إلى إضعافه أو تقليص أدواره وتأثيره.
خلال العقود الماضية استطاع الأردن أن يشكل مثالا لحسن السيرة والسلوك فقد أدى أدوارا مهمة في خدمة السلام والأمن الدوليين والتوقيع على الاتفاقيات والعهود الدولية والمشاركة في اعمال الاغاثة واستقبال اللاجئين والمشردين وتوفير شروط الرعاية والحماية والإيواء لأكثر من مليوني لاجئ ومهاجر من بلدات عربية عانت من الحروب والصراعات.
على الساحة الدولة ظل الأردن يتمتع بسمعة حسنة وتقديرا وفر لها الإعانات والتسهيلات والمساعدات وأكسبها التعاطف والتأييد الذي احتاجت له في وجه التهديدات التي تعرضت له المصالح الأردنية من قبل الكيان الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة وأعطى للأردن قوة خفية تولدت من الانجياز التام للشرعية الدولية والنهوض المستمر بواجباتها الدولية والبعد عن المخالفات والتعديات التي قد تشوه السجل والسمعة.
بالرغم من الفقر الذي يعايشه الأردن وقلة الموارد والملاحظات التي يبديها الناس حول الأسعار والضرائب وبعض الممارسات الادارية والاقتصادية إلا أن الناس يستغربون كيف تنتهي الظواهر والاحداث ويشكرون الله على أن الأمور والأحداث تنتهي دون ان تخلف حجم الدمار والألم الذي غالبا ما تحدثه في البلدان والمجتمعات الأخرى.
قبل أقل من عشر سنوات تحرك الشارع العربي في ثورات عملت على انهيار الأنظمة وتدمير المؤسسات وإحداث الفوضى في العديد من البلدان العربية وقد تبدلت الأحوال في تونس ومصر ولا يزال الصراع دائرا في كل من ليبيا واليمن وسورية بعدما خسرت كل من هذه البلدان كافة المقومات التي تمكنها من إدارة البلاد وتوفير الأمن والخدمة والاستقرار. الأردن كان واحدا من الأقطار العربية القليلة التي تحرك فيها الشارع دون أن تتأثر مسيرة البلاد أو يجري تقويض المؤسسات. وقد عادت العلاقة بين الدولة والمجتمع الى سابق عهدها دون أن تتأثر البلاد ومسيرتها كما حصل في البلدان العربية الأخرى.
التجربة الأردنية في مجابهة الموجة الاولى من الجائحة كانت الأنجح بين الأقطار المجاورة وواحدة من التجارب المضيئة واللافتة عالميا. المواطنون والمسؤولون تفاجأوا بحجم القوة الكامنة في المجتمع الأردني والقدرة التي أبدتها المؤسسات على تنسيق الجهود وصهرها وتسخيرها لمحاصرة الوباء وتحقيق مستويات عالية من التكيف والنجاح.
النتائج المرضية للأداء الأردني أثارت اهتمام الأصدقاء واستغراب غير المريدين وتساؤلاتهم حول تركيبة الوصفة الاردنية في الاستجابة وأسباب غيابها في البلدان والمجتمعات الاكثر ثراء وقدرة واستعدادا. الخوف كان ولا يزال من أن يتملكنا الزهو والغرور فنتوقف عن أداء مسؤولياتنا بعناية واهتمام او ننشغل ببرامج العلاقات العامة وسباق البطولات الفردية. في هذه المرحلة الدقيقة يحتاج الاردن الى الحفاظ على مستويات النجاح وإثبات أن بمقدوره التعامل مع المتغيرات والعمل على تحسين وتجويد وصقل الخبرات التي اكتسبتها الكوادر ومحاسبة واستبعاد من يرتكبون اخطاء تعيق العمل وتعطل المسيرة.
اليوم يواجه الاردن انتكاسة ربما تكون بسيطة وعارضة. الاختراق الذي حدث لمنظومة الاجراءات التي جرى اعتمادها فتح عيوننا جميعا على الأخطار الموجودة والمحتملة. عوضا عن التلاوم والانشغال في إبراء الذمة لا بد أن ينصرف الجميع لإصلاح الثغرات وتصحيح المنظومة والتوقف عن تبني المقترحات المرتجلة وغير المستندة الى خبرة ومعرفة.
الغد