"نشيد سيد السبت" للشاعر التونسي أشرف القرقني يعيد ألق استحضار الأسطورة
المدينة نيوز: يعيد ديوان "نشيد سيد السبت" الصادر حديثا، للشاعر التونسي أشرف القرقني، الألق لاستحضار الأسطورة في محاولة لتفكيكها وإعادة تركيبها بما يتواءم وروح العصر، ليصبح النشيد حاملا لآلام ابن الإنسان، في تسلسل يوحد أوجاع البشرية منذ البدايات، وصولا إلى همجية وسائل القتل المتطورة.
ويهدي الشاعر قصائد الديوان النثرية في مجموعته الشعرية الجديدة "إلى لا أحد"، معلنا -دون شك- تمرده على القوالب التقليدية. وفي ختام المجموعة يعلن تبرؤه من اسمه؛ ليكتب في ختام آخر قصائده: "أشرف القرقني؛ هذا ليس اسمي. إنه شخص آخر يقتحم حياتي الصغيرة. ويرسلني إلى المنافي التي لا ترون".
ويستحضر الشاعر في قصائده الأسطورة، مستخلصا من الميثولوجيا رموزها، ليستعين بهم في جذب القارئ ولفت انتباهه، ويواري من خلالهم مقاصده الصريحة، لدواعٍ فنية؛ فنجد الديوان يعج بالسحرة والآلهة وأسماء ألفناها في القَصَص الديني متحريا التناصَّ مع الكتب المقدسة.
ويلتزم الشاعر في قصائده بالتكثيف، متجنبا الاستطراد والحشو، مازجا بين متانة السبك وفصاحة اللغة بعيدا عن التكلف والألفاظ الوعرة.
يقول "القرقني" في إحدى قصائده: "أنا بيتٌ أخرقُ مهذارُ. وأبي ربٌّ حجريٌّ ملعون. مهنتُهُ الصَّمتُ. وموسيقاهُ الترسّبُ في نفسه. رماهُ زملاءُ الأُلوهةِ على الأرضِ، لأنَّهُ لم يُشاركْ ولو بحرفٍ في كُتُبهم".
ويضيف: "لكنّ ابنهُ كانَ له التفرُّد بكتابةِ هذا النَّشيد. نشيدٌ ينتصر فيه للإنساني على حساب الآلهة، إذ يقول المسيح في الإنجيل ردّا على من استنكر عليه مساعدة المسحوقين في السبت: (إن ابن الإنسان هو سيد السبت) هذا إذن نشيد ابن الإنسان".
ويقول في نص آخر: "مُقَيَّدًا إِلَى الشَّجَرَةِ، لم أَذهبْ أبعدَ مِنْ سِياجِ الحقْلِ. لم أصلْ بعدُ إلى حَتفِي. لكنّ الوقتَ المُتكدِّسَ خلفَ البابِ يَعِدُني بِسِرٍّ أخضر. كنتُ كلَّ صباحٍ أُلقي نظراتٍ زرقاء خلفَ التّلّةِ. وعَبَثًا أنتظرُها في المساءِ. من فرطِ الانتظارِ صارتْ يدايَ يابسةً، وعينَاي بحرًا، تزحَمُ فيه المراكبُ أشرعةَ الهواء. ورغمَ ذلك، ما زلتُ الأرملةَ التي تُنفقُ آخرَ دِرهمٍ، من أجلِ دمعةٍ أخرى على خدِّ المسيح".
ويضيف: "في النهاية، الحجرُ الوحيدُ الذي صدَّقتُ صمتَهُ، كان إسخَرْيُوطِيًّا آخر قد هرَّبَ أحلامي إلى ليلِ آلهةِ الشِّرٍّير، حيثُ العويلُ والقَصَبُ المجروح. ها هو يقرأُ قَطيعًا من نظراتٍ سائبةٍ. تُسابِقُ بابًا مخلوعًا في الرّيح. ويُلقي حكاياتِهِ عن البَدْءِ والخَرابِ العظيمِ في خواءِ نهاراتِكُم".
ويسلط الشاعر في قصائده سوط نقده على العالم، بما يحتويه من كوارث وأوهام، بل يمتد نقده إلى ذاته، في اعترافات قاسية تحاكم هشاشة النفس البشرية ونقائصها.
وفي حوار مع "إرم نيوز"؛ قال القرقني: "بدأت ديواني بقصيدة أولى، ظلت كذلك في الإخراج النهائي، وشيئا فشيئا تحول الكتاب الشعري إلى البحث فيما هو أسطوري، بشكل أدعي أنه مختلف نوعا ما. أعني أنني من جهة أشتغل على الاستعارات والأماثيل والحكايات الكتابية (العهد القديم والأناجيل والقرآن) ومن جهة أخرى أحاول أن أقلب ما هو يومي حادث في حيواتنا إلى أسطوري. يحدث هذا مع تجديد للأنا في القصائد؛ فهي تارة بيتٌ كما قلت سلفا، وتارة أخرى ساحة حرب. وهي كذلك صوت للمسيح متعدد في أكثر من مناسبة، وتمثال أبي تمام الذي حطمه الدواعش في سوريا. إنها رحلة أتقنع فيها في ذات تحمل بالنسبة عوالم شعورية ورمزية وتخييلية واسعة. وأترك دون ذلك للقارئ".
وأضاف: "أنا لا أكتب لجمهور في الحقيقة وإنما لقراء. وهذا مختلف بالنسبة إلي؛ الجمهور حشد، ويكون طبيعيا أن أشرح له كتابي. أما القراء فذوات متفردة، ولها أن تشاركني اللعب وتجد في الكتاب آثارا تؤولها. ويمكن لناقد ما أن يقول إنني أكتب لقارئ نخبوي، بما أنني أكتب قصيدة نثر تتأمل وتحس وتفكر في الآن ذاته. لكنني أرى أن الشاعر يودع حساسيته في قلب القراء الذين يشبهونه وكذلك أولئك القراء الذين توفر لهم تجاربهم ومعارفهم القابلية والرغبة في مشاركته عوالمه".
وأوضح في حديث خاص لـ"إرم نيوز": "كل كتاب حقيقي هو حيوات لا مرئية ومكثفة إلى ما لا نهاية. لن تروها إلا إذا لونتموها بأنفسكم".
"نشيد سيد السبت" من إصدارات منشورات المتوسط، إيطاليا، 2020، ويقع في 64 صفحة من القطع المتوسط.
الشاعر في سطور
أشرف القرقني؛ شاعر ومترجم تونسي، يبلغ من العمر 31 عامًا. حاز جائزة بيت الشعر العام 2014. سبق أن نشر ديوانًا بعنوان "تقريبًا" العام 2017. وتُرجِمت قصائده إلى الفرنسية، والإنجليزية، والكردية، والإيطالية، والفارسية. وترجم روايات عدة؛ منها رواية بيدرو ميرال "السنة المفقودة" العام 2016، ورواية ستيفان سفايغ "التحول" عام 2020. ويكتب مقالات أدبية في دوريات عربية عدة.