أخطاء اقتصاديّة حكوميّة
تعامل الحكومة مع تداعيات فيروس كورونا فيه تباين واضح، ففي الوقت الذي كانت الحكومة تخطو خطوة متقدمة للأمام في الجانب الصحيّ، كانت تتراجع خطوتين للوراء في الجانب الاقتصاديّ نتيجة إجراءات وقرارات اتخذت على عجل ودون أي دراسة لأهميتها أو آثارها، مما ساهم بأعباء ماليّة كانت الحكومة في غنى عنها لو أنها أحسنت التصرف، وتعقلت قبل اتخاذ بعض القرارات.
آخر أخطاء الحكومة قرارها بالموافقة على منح المكافآت الماليّة بدل العلاوات والزيادات لجميع كادر وزارة الصحة، ليلغي بذلك قرار مجلس الوزراء الخاص بهذا الشأن والذي اتخذ منتصف الشهر الماضي بإيقاف كافة الزيادات والعلاوات في القطاع العام للمدنيين والعسكريين والمتقاعدين على حد سواء وغيرهم لصالح المجهود الصحيّ والعمل الاجتماعيّ.
الحكومة بدلا من أن تعطي العاملين مباشرة على مواجهة وباء كورونا في وزارة الصحة والذين لا تتجاوز أعدادهم الـ300 شخص يعملون ليل نهار كامل مستحقاتهم مشمولة بالمكافأة لتضحياتهم، استجابت وتحت ضغط التهديد بالتصعيد، ومنحت كل العاملين في الوزارة حتى الذين يجلسون في بيوتهم منذ ثلاثة أشهر تقريباً وهؤلاء لا يقل عددهم الإجمالي عن 4000 ما بين طبيب وممرض وإداري لا يعملون ولا يداومون بموجب الحظر بأمر الدفاع والخاص بتعطيل القطاع العام، مما سيفتح شهية باقي النقابات لتكرار تجربة العاملين في وزارة الصحة للضغط على الحكومة لاستئناف الزيادة والعلاوات التي تم إيقافها اعتبارا من الشهر الجاري، وعلى رأسهم المعلمون، فكيف ستواجه الحكومة هذه المطالبات الجديدة وهي أول من استجاب للضغوطات، وكيف ستبرر للمطالب المختلفة ما فعلته؟.
طبعاً لا يفهم من هذا الكلام أن كاتب المقال ضد زيادة العاملين في القطاع العام، لكن مع تأجيلها في ظل الظرف الاقتصاديّ الصعب الذي تواجهه الخزينة التي التزمت التزاماً كاملاً بدفع كافة الاستحقاقات الماليّة الداخليّة والخارجيّة المترتبة عليها، وفعلاً أوفت بها بشكل كامل.
خطأ آخر ارتكبته الحكومة هو تأجيل قراءة عدادات الكهرباء من قبل الشركات بموجب الحظر، حيث لم يتم إيصال أي فواتير لشهري آذار ونيسان، مما راكم قيمة الفواتير على المواطنين الذين استلموا قبل أيام فاتورتين اثنتين في وقتٍ واحد، وهذا تسبب في إرباك المواطن الذي أصبح مجبراً على دفع فاتورتين معاً، وتسبب في إيقاف مردود ماليّ رئيسيّ لشركات الكهرباء لشهرين كاملين، وتسبب في نقص السيولة لشركة الكهرباء الوطنيةّ، في الوقت الذي كان بإمكان الحكومة أن تسمح لقارئي عدادات الكهرباء بالقيام بعملهم مع أخذ إجراءات الوقاية دون أن تلحق هذه العملية أي أضرار بالمستهلك والشركات والخزينة معا.
قرار خاطئ آخر ارتكبته الحكومة يتعلق بالسماح للبنوك بتأجيل أقساط المكلفين من شركات وأفراد حتى نهاية العام، وكان الأصح أن يكون القرار محصوراً بالجهات التي تضررت أعمالها أو مداخيلها من فيروس كورونا، فالموظف العام أو حتى في القطاع الخاص الجالس في بيته ويحصل على كامل راتبه لماذا يتم تأجيل القسط عليه وهو غير متضرر، والأمر يشمل كذلك الشركات العاملة والتي لم تتضرر أنشطتها من كورونا.
تأخر الحكومة في فتح القطاع الصناعيّ وبكامل طاقته، وعدم الاستماع لدعوات فتح العمل من غرف الصناعة أضاع الكثير من الفرص على الاقتصاد والصناعيين والمصدرين في الوقت الذي كان بالإمكان أن تكون هناك فائدة كبيرة للخزينة.
بعض التصرفات الإدارية الرسميّة من بعض الوزراء والتي تصنف تحت خانة “الغباء الإداري”، حوّلت الأزمة في البلاد من أزمة مواجهة تداعيات فيروس كورونا إلى أزمة خبز وتصاريح وعمال ورواتب وضمان واكتظاظ على المحلات، وخلقت أزمة من لا شيء، ولولا تدخل مرجعيات عليا بشكل مباشر لتدارك الأمر لكان هناك مخاطر جسيمة تحيط بالجميع لا سمح الله، وواضح أن هذه الأزمة كشفت عورات الكثير من الجهاز الإداري وفقدان التخطيط السليم والعمل بروح الفريق.
الغد