يحدث في مجتمع «الفهلوة»..!
في سياق التحولات التي طرأت على مجتمعنا، ظهرت طبقة من «الفهلوية»، سرعان ما تغلغلت في أعماق قطاعات من العاملين في معظم المجالات، كلمة السرّ فيها استخدام الحيلة والشطارة للحصول على أي شيء، وتبرير أي شيء، وانتزاع اعجاب الآخرين او قبولهم حتى لو كان مغشوشاً.
لم تكن سمة «الفهلوة» من السمات الاصيلة في الشخصية الأردنية، على العكس تماماً، فقد تميزت هذه الشخصية بالوضوح والاستقامة والاعتزاز بالذات، كما انها تنزهت عن منطق التذاكي والسطو على احترام الاخرين اليها والتحايل عليهم، الاّ ان ما طرأ من تحولات على المنظومة القيمية والأخلاقية نتيجة عوامل سياسية واقتصادية متعددة، دفع طبقات من الباحثين عن حظوظهم في «تربة» لا يستطيعون النمو فيها بشكل طبيعي الى انتحال «الفهلوة» كوسيلة، ثم تمددت وأصحبت جزءاً من «البلوى العامة» التي نعاني منها على مختلف الأصعدة.
لدينا ما يكفي من نماذج «للفهلوية» الذي أصمّ ضجيجهم آذاننا، ابتداء من أصحاب الحرف البسيطة الذين تدفعك الحاجة الى التعامل معهم لإصلاح أعطال في بيتك أو سيارتك او حاجاتك الاخرى، الى أصحاب المهن المتوسطة الذين تقصدهم بهدف الحصول على خدمة او استشارة، الى الموظف العام وممثلي الضمير العام، سواء اكانوا في حقل الإعلام أو السياسة أو في سوق الدين والتجارة.
لا تحتاج لمزيد من «الفطنة» حتى تكتشف أصناف «الفهلوة» ممن قد تسمعهم ا وتقابلهم، ما عليك الاّ ان تدقق في حركات «النط» التي يمارسونها، او في دعاوى المعرفة والعلم التي يطلقونها، أو في «خفة» الظل التي يمارسونها لإيهامك بأنهم يتمتعون بما يلزم من ذكاء ودماثة ودعابة، او في مهارات السيرك التي تدربوا عليها لخطف الأبصار وتسليط الضوء عليهم حين ينصبون «مصائدهم» لخداع الفريسة التي يريدون اصطيادها.
أسوأ ما في «الفهلوة» هو ان تصبح نوعاً من «الاحتيال» المشروع، بحيث يمارس الفهلوي مهاراته ونشاطاته في الفضاء العام، ناهيك عن الخاص، بقناعة انه يفعل ما يجب فعله، والأسوأ من ذلك ان يجد المجتمع نفسه أمام «حالة» تفرض عليه «التكيف» معها او تبريرها، او ربما – الاحتفاء- بأصحابها وتقديرهم.
اذا حدث ذلك، وهذا ما أخشاه، سيتحول المجتمع، او أغلبيته، الى مجموعات من «الفهلوية» ليس فقط لمواجهة ظروف الحياة الصعبة بالتحايل عليها، او لكسب المزيد من المعجبين والمريدين، وانما لممارسة أبشع أنواع «النهب» والسطو، سواء باسم السياسة او باسم المال او باستخدام الإعلام، او حتى على منصات العلم والتعليم والتوجيه والثقافة.
عندها لا يستطيع أحد ان يلوم أحداً، فالجميع سيكون ضحية لعصر جديد من «الفهلوة» الاجتماعية والسياسية والثقافية، وكما حوّل مجتمع «الفرجة» الذي افرزته الصورة في الإعلام الإنسان الى مجرد سلعة لا قيمة لها، فإن مجتمع «الفهلوة» سيحول هذا الانسان ( لا قدر الله ) الى نمط «حربائي» متلون ومنزوع من القيم والأخلاق.
الدستور