الشعب السوري يقتل بـ " نيران صديقة "
![الشعب السوري يقتل بـ " نيران صديقة " الشعب السوري يقتل بـ " نيران صديقة "](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/83314.jpg)
لا أحد ينفي أن سوريا تواجه " مؤامرة امبريالية " هدفها اضعاف الدور السوري وخلخلة معسكر " الممانعة " الذي تقوده ايران في المنطقة ، ولا أحد يمكن ان ينفي أن الولايات المتحدة تصوغ مشاريع لتفكيك المنطقة بأسرها عبر اعادة انتاج خريطة جديدة للمنطقة تكون مصالحها الاستراتيجية هي الاساس الى جانب أمن الكيان الصهيوني، الجميع قد يُجمع على ما هو أكثر من ذلك في هذا السياق .
لكن الجميع قد لا يتفق على أن " الحل الأمني " الذي يستخدمه النظام السوري لكبح جماح الشعب الثائر هو الطريقة المثلى لمواجهة خطر التفكيك الذي تقوده الولايات المتحدة ، اذ لا يعقل أن تواجه احتجاجات الشعب بوابل رصاص القناصة والشبيحة، ولا يعقل أن يجد النظام - الذي يزعم أن ينحاز بشكل مستمر و " استراتيجي " للخيار الشعبي المتمثل بالمقاومة – من وسيلة سوى تطويق المدن وقتل أناس عزل أبرياء لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم طالبوا بملء فيهم بحريتهم المهدورة وكرامتهم المغدورة التي داست عليها بساطير ماهر الاسد وآل مخلوف.
الطريقة المُسفَّة اللانسانية التي ووجهت به احتجاجات الشعب في درعا ودوما وحمص واللاذقية وغيرها تعبّر عن أزمة النظام الأمني والتفكير العصبوي الذي يتمتع به هذا النظام ، وأزمته تتمثل تحديداً في عجزه عن ادارة الأزمة بعقل سياسي منفتح يعتمد مبدأ احتواء الأزمة بدل تثويرها وتنفيس الغضب بدل تأجيجه ، الحل الأمني الجاهز والحاضر دوماً وابداً يسهم في صبِّ الزيت على النار .
هناك من انساق الى تصديق مزاعم النظام السوري بخصوص وجود " مندّسين ومخربين " و " عناصر اسلامية سلفية " وأوغل في ترويج وتبرير الرواية الرسمية المشروخة بشأن الاحتجاجات ، وحمَّل المحتجين أكثر من ذلك حين اعتبر أنهم يدبّرون لمخطط " تدويل الأزمة السورية " ، هؤلاء المحتجين الذين عرّوا صدورهم لرصاص الأمن السوري وشبيحته ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر الى كرامته وحريته وما بدلوا تبديلاً ، هؤلاء الذين خرجت غالبتهم - حتى لا نقول جميعهم ونُتهم حينئذٍ أننا الى جانب معسكر الاعداء- لتعلن عن غضبها من سياسات النظام التي أورثت البلاد فساداً واستبداداً وكراهية ، وحدَّت من منسوب المناعة الوطنية عند البعض ، هؤلاء هم من يقودون مخطط " تدويل الأزمة السورية " وهم وحدهم من سيُهدًون الغرب الذريعة المناسبة والتاريخية لتخريب سوريا التي ليست مزرعة للأسد وحاشيته .
وهناك آخرون من المحسوبين على " معسكر الممانعة " استكثروا أن يصفوا الهبَّات الشعبية العفوية بأنها ثورات شعوب مذبوحة ومسحوقة ومُهانة في كرامتها الوطنية ، ووصفوها بأنها محض " تمرد مدعوم خارجياً " واسكثروا ان يترحموا عن أرواح من قضوا في سبيل ذلك ، الأرواح التي فاتها ربما ان تقبض من " منظمات التمويل الاجنبي " وتيار المستقبل و " أنظمة الاعتلال العربي " كما يحلو لهم – ونحن معهم - وصفها.
هؤلاء لديهم مفهومهم الخاص للحرية ، الحرية الفردية التي يقف العدو لوحده في هذا العالم حائلاً دون تحقيقها ، ولا نعرف ان كانت الأنظمة الأمنية في قواميس هؤلاء الممانعين صديقة للحريات الفردية أم لا ، وان كانت أصلاً صديقة أم لا ؟!!
هؤلاء تستهويهم فكرة التلاعب بالألفاظ " الدسمة " وتطعيم مقارباتهم بتلك القائمة المُمِلة من مصطلحات التحليل الماركسي بطبعته السلفية حتى تتمكن من تمرير مضامينها عبر ممر " شرعي " معقول ، فات هؤلاء أن الصراع من الأنظمة التي وفرت الأمان للكيان الصهيوني من خلال تبريد جبهاتها الساخنة يعدّ أولوية في مسار النضال القومي ، الصراع من الأنظمة الأمنية و " شبيحتها " يعدّ شكلاً من أشكال النضال الوطني ، الأنظمة الاستبدادية التي تنتمي الى " معسكر الأصدقاء " تتحول الى عدو حين تُخلي مسؤوليتها من حماية الشعب وصون مصالحه وكرامته ، الأنظمة الاستبدادية التي تزعم انها " قومية " تدير مصالحها وفقاً لمنظور قومي من دون أن نقلل من أهمية عامل المصالح في ادارة الدولة وسياساتها الذي يخدم مشروعها القومي ولا يتنافى معه ، الأنظمة الاستبدادية التي تقتل بدمٍ " فاسد " الذات الوطنية بغير ذنب لا تقل ساديَةً من سادية قادة الكيان الصهيوني ، كلاهما يستبيح الكرامة الانسانية وكلاهما يتحملان وزر استنزاف مخزون الامة من قادتها الوطنيين .
أما في موضوع " تغييب " التناقض الرئيسي مع الامبريالية والصهيونية في الثورات الشعبية الأخيرة فعائد الى أن سقف المطالب الشعبية كان يتمثل على صعيد وطني بانهاء حالة اغتصاب الحريات واهدار حقوق الناس ، ولا نظن أن غياب وليس " تغييب " التناقض الرئيسي يعود الى ضعف منسوب الانتماء القومي للقضايا الكبرى عند المواطن العربي ، تواري الطرح الايديولوجي المحضّ في الثورات الشعبية أملته صيرورة الحدث وسخونته وعفويته وعامل المباغتة فيه ، لم تكن المطالب الشعبية الاجتماعية صادرة عن برامج منظمة ومعدة سلفاً ، وغياب الاحزاب والنخب السياسية في تونس ومصر تحديداً يبرهن على ذلك ، بل كانت مطالب عادلة أخذت تتبلور رويداً رويداً ككرة الثلج التي سرعان ما تضخم حجمها وتعملق مع تبني مجاميع شبابية على وجه التحديد لها ، فالمطالب الشعبية لم تكن في أول لحظة من المسيرات والمظاهرات العارمة هي ذاتها في آخر يوم ، وهذا يفسر الى حد بعيد عجز الأنظمة الأمنية عن التقاط الفرصة الملائمة في الوقت المناسب ، وعن انعدام منسوب استجابة الأنظمة لمطالب الجماهير العادلة ، لأن هذه الأنظمة تنظر الى هذه المطالب على أنها معركة " كسر عظم " واحتمالية الانتصار والغلبة لنظامها الأمني ، ولن ينفع حينئذٍ وبعد أن تصل الجماهير الى ذروة قوتها في فرض خياراتها أن يخرج من يقول " الآن فهمتكم "....
في سوريا لم يثبت حتى الآن صحة ما يتناقله الاعلام السوري من وجود جماعات مسلحة مدعومة خارجياً ، من دون أن ننفي في الوقت نفسه وجود من يريد ذلك من " معسكر الأعداء " ، لأن حصيلة الضحايا من المحتجين السلميين أكبر بكثير من نظيرتها من القوى الأمنية ، بل هي أكثر من أن تقارن اصلاً ، الا اذا كانت المسرحيات الممجوجة التي يبثها التلفزيون السوري قابلة للتصديق أصلاً ، المسرحيات الكريهة التي تحاول باستخفاف تضليل الرأي العام بروايتها المشروخة .
ما يثبت وجاهة ومصداقية هذا الرأي ما نُشر على الصفحة الرئيسية لموقع المنار ، التابع لحزب الله الحليف الوثيق للنظام السوري ، يكتب نضال حمادة في حلقاته المعنونة " سوريا في قلب العاصفة " أن المعارض الحقوقي السوري هيثم مناع ، وهو بالمناسبة من محافظة درعا ، يروي تفاصيل هامة حول لقاء جرى بين مناع ورجل أعمال سوري الأصل يقيم في باريس وثالث هو اعلامي بارز في احدى المحطات الخليجية المعروفة ، وهي تفاصيل بالمناسبة يُراد من خلال عرضها اثبات ما لا ينكره حتى غالبية المحتجين في المدن السورية ، والتي تدور حول عرض تقدّم به رجل الأعمال السوري الاصل بأنه على استعداد لدعم المحتجين بالسلاح كمّا و نوعاً وكل ما يحتاجه الشباب في درعا ، وهو الامر الذي دعا المعارض مناع لرفضه مطلقاً ورفضه لمبدأ ادخال قطعة واحدة من السلاح الى درعا. يبدو أن رفض مناع للعرض السخي يثبت ممانعة وطنية لدى الكثيرين ضد أي شكل من أشكال التدخل ، وهو ما من شانه أن يقيم الحجة على القائلين بها ومن بعدهم المروجين لها .
ثم من " يرى " أن أصابع الحريري والقوى الخليجية تلعب فليثبت لنا كيف ومتى وأين رآها حتى نقف معه ضد هذا السلوك المشين ؟ ومن يؤكد أن هناك عصابات شعبية مسلحة تعيث قتلاً فليدلل على بينته بوقائع موجودة على أرض الواقع ، والذي يذهب الى أن مطلب اسقاط نظام الاسد ومعه نظام معتوه ليبيا هو " مطلب مشبوه " فليعلن براءته من ثورة الشعب السوري والشعب الليبي وليعلن تضامنه الصريح مع نظامي الأسد والقذافي. ومن يزعم أن لديه " عشرون ملاحظة " على النظام السوري و " مائة وعشرون ملاحظة " على النظام الليبي فليعلن بشجاعة ملاحظاته المائة وأربعون على كلا النظامين ؟!!
ثم الذي يذهب الى كون القوى التي تسعى أن تحل محل الأسد ليست قومية أكثر من الأسد نفسه ، فليرجع بالتاريخ الى سجل القتل الذي يتحمل جريرته الأسد الابن باعتباره رأساً للنظام/ التركة الذي ورثه عن أبيه ، ولنفتح يوميات تل الزعتر واغتيال العشرات من قيادات وكوادر الحركة الوطنية في بيروت، ولنفتح سجل التحالف الدولي ضد نظام صدام حسين بداية التسعينيات الذي أبلى هذا النظام " القومي " العتيد بلاءاً حسناً في المعركة الأممية في حفر الباطن ضد العراق قبل أن تكون ضد الرئيس الشهيد صدام حسين ، هذا النظام " القومي " انساق في مشروع تدويل حرب الخليج الثانية الى جانب الولايات المتحدة والذي لا يزال العراق يدفع من دم ابناءه وتضحياتهم ثمناً لهذا الدور . وبالمناسبة هذه شذرات من بين أضعاف الملاحظات العشرين .
وللحديث بقية ...