تـرمب إذ يواصل الابتـزاز.. هل من مستجيب؟
في تأكيد جديد على أن قصة الانسحاب من سوريا التي أعلنها ترمب غير مرة، لم تكن سوى لعبة ابتزاز، عاد ترمب إلى لعبته الوحيدة التي يجيدها.
في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الفرنسي (ماكرون)، قال ترمب: “لن نستمر بدفع مليارات الدولارات والمخاطرة بجنودنا دون أن نتلقى مقابلا لذلك، نريد عودة جنودنا من سوريا ولكن نريد أيضا أن نحقق نتائج قوية هناك”.
وأضاف ترمب: “أرغب في سحب قواتنا من سوريا، لكننا لا نريد إتاحة المجال لإيران للاستفادة من ذلك. على دول خليجية أن تزيد مساهماتها المالية من أجل طرد الإرهابيين من سوريا”.
وفي منطق سخيف، سبق أن كرره، تابع ترمب: “دفعنا 7 تريليونات دولار خلال 18 عاما في الشرق الأوسط وعلى الدول الثرية دفع مقابل ذلك”. ثم أمعن في الوقاحة قائلا: “هناك دول لن تبقى لأسبوع واحد دون حمايتنا وعليهم دفع ثمن لذلك”، معربا عن رغبته في أن “ترسل دول أخرى جنودها إلى سوريا”.
إنه منطق الابتزاز الرخيص الذي لا يجيد ترمب سواه، لكأن بلاده قد دفعت التريليونات التي يتحدث عنها من أجل رفاه وأمن واستقرار الدول العربية، أو المنطقة، في حين يعلم الجميع أن غزو العراق الذي استهلك أكثر المبلغ الذي يتحدث عنه كان فاتحة الجحيم الذي يلف المنطقة بأسرها، وهو ذاته الذي فتح شهية إيران على التوسع، حين ترك لها العراق لقمة سائغة.
والحال أن ترمب لن يكف عن لعبة الابتزاز التي يجيدها، ما دام يجد من يستجيبون له بتلك الطريقة المعروفة، والتي تعززها الصراعات البينية التي تشتعل دون مبرر ولا جدوى، مع أن الجميع يعلم أن الابتزاز سيطال الجميع بطرق شتى، وفي مقدمتها صفقات السلاح الفلكية.
لقد آن للدول العربية المعنية ان تعيد النظر في سياساتها وأولوياتها، إذ لا يعقل أن تواصل النزف من ثرواتها على هذا النحو، في مراهنة بلا جدوى على رجل يشكك كثيرون في بقائه في السلطة أصلا، فيما تسمح المعادلة الدولية الجديدة بتحدي إرادته، وها هي الصين تفعل ذلك، تفرض عليه التراجع.
المصيبة أن شهية هذا الرجل للابتزاز لا تحدها حدود. أما قصة بقاء قواته في سوريا، فهي لم تدخل أصلا من أجل الدول العربية، ولا من أجل نصرة الشعب السوري، بل من أجل المشروع الأمريكي والصهيوني، ومن أجل التصدي للنفوذ الروسي، وهو لا يمكن أن يفرض سحبها لأن الدولة العميقة ترفض ذلك.
وتبقى قصة إيران التي يمارس معها الابتزاز أيضا من أجل الصهاينة، وليس من أجل عيون الدول العربية، وسواءً دفعت الأخيرة أم لم تدفع، فإن البرنامج ماضٍ على حاله، وتبقى المعادلات الداخلية، والتي يمكن تجاوزها بالمصالحات الداخلية، وبتسوية الأزمات البينية، وفي مقدمتها الأزمة الخليجية، والتي تدخل تحت عنوان الترتيب الصائب للأولويات، والذي من دونه سيتواصل النزيف بلا جدوى.
الدستور