حبال الكذب قصيرة
هل تشعر بأنك أصبحت في حاجة لان تكذب أكثر من أي وقت مضى؟ وهل تعتقد ان عدد الذين يمارسون الكذب في المحيط الذي تعرفه على الأقل قد ازداد، وما الذي يدفع هؤلاء إلى الكذب : فقدان الوازع الديني أم البحث عن المصالح الشخصية أم انعدام الأخلاق والثقة بالآخرين.. أم العادة والتعود أم التجمل فقط؟
في دراسة اجريت قبل سنوات (اجراها الدكتور احمد عبدالله زايد من جامعة القاهرة) اعترف نحو 76% من المواطنين الذين شملتهم الدراسة ان الكذب زاد في المجتمع الذي يتعاملون معه، وان نحو 89% من المصريين يعانون من التناقض بين القول والعمل، وان رجال السياسة اعلى الفئات التي لا تلتزم بما تقول، يليهم رجال الدين،وتساءلت الدراسة: اذا كان التدين والايمان من اكثر الفضائل التي حثّ الافراد من عينة البحث على ضرورة توافرها في المجتمع هناك فكيف نفهم تصنيف نحو 43% من المبحوثين لرجال الدين بأنهم يقولون ما لا يفعلون.. هل يعزى ذلك الى ان المواطن ما زال في مرحلة البحث عن تدين نقي ومثالي.. وانه لم يجده بعد؟
للمفارقة - فقط - انتهى استطلاع اجراه معهد جالوب الامريكي في العام نفسه وشمل 143 بلداً حول العالم الى ان المصريين اكثر شعوب الارض تديناً، حيث اجاب 100 %من المصريين المشاركين بـ نعم على السؤال الوحيد الذي طرح وهو: هل يمثل الدين جزءاً هاماً في حياتك اليومية؟، حيث بلغ المتوسط العالمي للتدين حسب الاستطلاع 82%، والسؤال: لماذا لا ينعكس اثر التدين على ممارسات الناس في حياتهم.. وهل ثمة فجوة بين علمائنا وبين جمهورهم أفقدتهم القدرة على التأثير فيهم، وانعكس ذلك بالتالي على فهمهم للدين وممارستهم لقيمه ومفاهيمه.
لا يمكن اختزال الكذب في مشكلة التدين المغشوش فقط، فمن اسف ان عالمنا العربي يعاني اليوم من ازمة اخلاقية متشابكة، تبدو واضحة في سلوك السياسي والحزبي والمواطن العادي، ومن اسف ايضاً ان مجتمعاتنا اصبحت تعاني من ثقافة عامة تقوم على الكذب والنفاق والاستبداد الطوعي والقسري، واذا كان اخواننا المصريون قد أشهروا في هذه الدراسة احوالهم، وأجابوا بصراحة على سؤال: ماذا يحدث للمصريين، فان احوال غيرهم في بلادنا العربية لا تختلف كثيراً عما انتهوا اليه.
لا اريد ان استعرض ادبيات الكذب في ثقافتنا، ولا ما تروج له امثالنا الشعبية على هذا الصعيد، ولكنني أتساءل فقط عن علاقة الكذب بالخوف، وعلاقته ايضاً بالتكسب وعلاقته بالضعف العام الذي نعاني منه، امة وافراداً، وبغياب الحريات وشيوع القمع، ومن الغريب - هنا - ان يوم الاول من نيسان اصبح بالنسبة للكثيرين منا عيداً حقيقياً للكذب.. فيما اصبح الكذب باقي ايام السنة ضرورة من ضرورات الحياة.. والبقاء ايضاً؟،
ثمة من يرى انه لا يكذب ولكنه يتجمل، وثمة من يرى انه لا يكذب ولكنه يتكسب ويترزق.. لكن الصحيح ان الكذب - وما يتبعه من استحقاقات وما يحتاجه من اكسسوارات قد اصبح سمة العصر، وضريبة الثقافة السائدة، والباب الوحيد المفتوح للهروب من الواقع البائس.. والتحايل عليه بالكذب حتى لو كانت حبال الكذب قصيرة.
الدستور