الملك والصناعة
ابتسامة الملك كانت واضحة على محياه، وهو يتجوّل بين خطوط إنتاج مصانع العملاق الشهيرة الأسبوع الماضي، وإعجابه كان لافتاً وهو يتفقد منتجات المصانع التي تتجاوز الـ200 صنف غالبيتها موجهة للتصدير، مع الاحتفاظ بحصة واسعة ورئيسية في الأسواق المحلية.
الزيارة الملكية لمصانع العملاق هي تأكيد لدعم قصص النجاح الصناعي التي باتت أنموذجا حقيقيا للتطور على مختلف المستويات، ودعما لرأس المال الوطني والاستثمار الرأسمالي التنموي الذي يولد قيمة مضافة حقيقية على الاقتصاد، من خلال دعمه الصادرات وخلقه فرص عمل للأردنيين، واستخدام التكنولوجيا وجذب العملات الصعبة واللجوء لمدخلات الإنتاج المحلية، مما يسهم جدياً بشكل حقيقي في تعزيز الاستقرار الوطني.
زيارة الملك لمصانع العملاق لها دلالة كبيرة، بأن القطاع الصناعي يجب أن يكون على رأس أولويات الاهتمام الاقتصادي لها، فالقيمة المضافة للصناعة الوطنية كبيرة، وتلعب دوراً رئيساً في النمو الاقتصادي، وهي محرك أساسي لا غنى عنه إذا ما أرادت الدولة أن تسير باتجاه التقدم والازدهار، فلا نمو ولا تقدم من دون ازدهار الصناعات الوطنية.
خلال أزمة كورونا، ونتيجة تعطل حركة المعابر الحدودية، دخلت المنتجات الصناعية بقوة للأسواق المحلية بأسعار وجودة عاليتين لم يكن المستهلك يعرفهما نتيجة حالات الإغراق للكثير من السلع المستوردة التي غالبيتها تحصل على دعم مباشر وغير مباشر من حكومات دولهم.
وفي الوقت ذاته، كان للصناعات الوطنية حضور مبهر في أسواق العالم المختلفة التي تتجاوز الـ130 سوقا دولية، استطاع المنتج الوطني الدخول والمنافسة بفاعلية عالية وأخذ حصة مهمة من تلك الأسواق، رغم الأعباء الكبيرة التي تتحملها الصناعات الوطنية، خاصة من جراء ارتفاع كُلف الإنتاج بسبب فاتورة الطاقة، ناهيك عن التعقيدات الإدارية وبعض السياسات والتشريعات التي لا تساعد الصناعة على التطور والتمدد.
حضور الكل بقوة في المشهد الصناعي جاء كرسالة للحكومة، لأن أزمة كورونا كشفت قوة الصناعة الوطنية ودورها المسؤول تجاه المجتمع وتوفير مستلزمات الأمن المعيشي كافة وبأسعار وجودة عاليتين، خاصة من المنتجات الطبية والدوائية والغذائية ومنتجات وأدوات التطهير والتعقيم كافة التي بات الأردن عنواناً رئيسياً لإنتاجها وتصديرها لمعظم دول العالم.
دعم الصناعات الوطنية يجب أن يكون الأولوية في السياسة الحكومية، وهذا لا يكون إلا من خلال تحرك كبير من قبل الحكومة وباتجاه القطاع الخاص، خاصة وأن القطاع الصناعي اليوم بات قطاعاً موحداً تحت مظلة غرفة صناعة الأردن، والوحدة الصناعية في الهيكل انعكست على قوة الأداء والسيطرة على المشهد في المباحثات المختلفة، وهو ما كان واضحاً في الفترة الأخيرة من خلال قوة الطرح الصناعي ووحدة المطالب.
دعم الصناعة لا يكون اليوم بالتعمق بالشراكات والاجتماعات فقط، وإنما باتخاذ التدابير لحماية المنتج الوطني وإتاحة الفرصة الكاملة للمنافسة في الأسواق الداخلية والخارجية التي تتطلب من الحكومة مراجعة اتفاقيات التجارة الحرة مع مختلف دول العالم، وتعزيز تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل إن استدعت الحاجة لتطبيقه مع دول تغرق الأسواق الأردنية بمنتجاتها بشكل مخالف للقانون أو أنها تضع عراقيل كبيرة أمام الصادرات الوطنية.
القطاع الصناعي يُشغّل أكثر من ربع مليون أردني، وهو المحرك الرئيسي للصادرات الوطنية التي تناهز الـ6 مليارات دينار سنوياً، وأي تسهيلات إدارية وتشريعية مع توفير نافذة تمويلية مدعومة بأسعار فائدة ميسرة سيكون لها الأثر المباشر في زيادة التصدير والتشغيل، وبالتالي مزيد من الاستقرار والنمو.
الغد