شحادة أبو بقر يكتب : إلى «الإخوان».. الإصلاح بالتأثر لا بالتأثير!..
يثابر « الاخوان المسلمون « في الاردن وغيره من أجل فرض وجودهم كقوة سياسية إصلاحية في الهياكل السياسية الراهنة في عالمنا العربي، وهذا حق لهم من وجهة نظر نظرية انسانية، وتختلف بينهم الاجتهادات على هذا الدرب افرادا ومجموعات تبعا للطبيعة الانسانية لكل فرد منهم، وبالذات اولئك الذين يشغلون المواقع القيادية، ويظهر بعضهم –وهم قلة- كما لو كانوا متطرفين في القول الذي يتنافى تماما مع شروط الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وهم بذلك يقفزون مباشرة من درجة الدعوة بالحسنى الى عتبة إمتطاء صهوة القرار، ناسين او متناسين – وانا هنا اتحدث عن القلة – ان الطريق القويم نحو الاصلاح وفق المنهج العظيم يبدأ بالفرد، من خلال تقديم «القدوة الحسنة» وليس عبر المسيرات والاعتصامات التي يستحيل ان تخلو من سباب وشتم خلافا ايضا للمنهج والمبتدأ، مثلما هي وسائل حديثة ومنقولة لم يعرفها الاسلام قط!.
أجزم ان إصلاح الفرد يفضي الى اصلاح المجتمع، واجتهد بأن الاصلاح لا يكون حقيقيا الا بغرس الايمان الحقيقي في ذات الفرد فكرا وسلوكا معا، والايمان هو قطعا حالة حب او حتى عشق يستحيل معها ان ينحرف الفرد او الجماعة او المجتمع عن جادة الصواب، متى تأصلت تلك الحالة في النفوس، لتنتفي عندها الحاجة الى بذل الجهد عبر وسائلة كافة من اجل دعوة الفرد او المجتمع صوب الحق، لان الاندفاع عندها نحو هذا الهدف السامي يكون طوعيا وتلقائيا وذاتيا وبارادة كاملة، دون اللجوء ابدا الى محاولة الزام الفرد بان يكون صالحا رغما عن أنفه وقناعاته ومعتقداته، في زمن يعيش هو فيه وسط دوامة كبرى من الضياع واستشراء الخطأ والانحراف عن الدرب القويم!.
من واجب الاخ المسلم ان يقدم نفسه أنموذجا وقدوة يتأثر بمنهجها الاخرون مختارين غير مجبرين، وهذا الزمان في تقديري المتواضع هو زمان ذلك بامتياز!، والقدوة تكون بالخلق القويم والسلوك الحسن البعيد تماما عن كل ما يثير الاخر سلبيا، فلا اكراه في الاصلاح شأنه شأن « لا اكراه في الدين «، باعتبار ان الدين هو المعاملة وليس مجرد الظهور دون الجوهر بنشاطات هي اقرب الى الرياضة او التظاهر ليقال للعامة انها عبادة!.
وتقديم القدوة بهدف غرس الايمان الحقيقي في نفوس غير مؤمنة، لا يكون بخطبة او ببيان او مسيرة، وانما بالسلوك الملتزم من جهة، وبقدرة صاحب هذا السلوك من جهة ثانية على الاقناع العلمي بعظمة الخالق جل في علاه، تماما كما يفعل الداعية العربي الكبير « د. زغلول النجار» وامثاله، وليس من خلال خطباء يملكون أصواتا جهورية تكفر هذا وتخرج ذاك من الملة وتفتقر الى ابسط سلوكيات المؤمن الرحيم الذي يأسر بوداعته وتهذيبه وعمق فكره قلوب السامعين، ويأخذهم طوعا صوب التفكير الجاد بعظمة هذا الكون الشبيه بمعمل ضخم يدبر أمره وكل حركاته وسكناته خالق عظيم ولا عظيم سواه.
باختصار الايمان يتأتى بالتأثر والاقتباس لا بالتأثير والالزام، ومتى توفر الايمان صلح حال الناس جميعا دونما عناء يذكر، اما الاصرار على إدانة الآخر وسب الآخر وارغام الاخر على ان يكون صالحا، فذلك ليس من الايمان في شيء ابدا!
ادعو للجماعة بالتوفيق باذن واحد أحد لا قبله ولا بعده، وادعوهم للعودة الى بداية الطريق لا الى القفز صوب محطات تؤذي اكثر مما تنفع، ولنا في حبيبنا خير الخلق واشرف الناس قدوة ومثل وأنموذج عظيم، اما من يتوهم ان الدنيا باتت ملك يديه وان بمقدوره فعل ما يشاء من اجل الاصلاح او حتى باسم الاصلاح، فهو مجرد واهم!، وعذرا ان تعديت، والله من وراء القصد.