لبنان ما قبل وما بعد تفجير بيروت
ليسمح لي القارئ الكريم بمخالفة كل الآراء التي تقول بأن ما قبل انفجار مرفأ بيروت وتدمير او تضرر نصف العاصمة لن يكون مثل ما بعده ، بل إنه سيكون كما قبله إن لم يكن أسوأ ، وهذا ليس تشاؤما بقدر ما هو قراءة للواقع اللبناني الذي يأبى التغيير .
عندما يعلن رئيس الحكومة السبت انه سيقدم مشروع قانون لاقرار الانتخابات المبكرة دونما اي تغيير في النظام السياسي الذي بات هو نفسه جزءا منه ، فإن الامر لا يعدو كونه محاولة لامتصاص الغضب العارم الذي اجتاح الشوارع واقتحم الوزارات .. وعندما تعتبر السلطة الرسمية في لبنان ما وقع ببيروت بأنه " فرصة " للخروج من الأزمات وكسر الحصار المفروض على لبنان وتنسى الثمن الذي دفعته بيروت واللبنانيون.. وأيضا عندما تؤكد بأنها لن تسمح بتدويل التحقيق الذي لا بد من تدويله أصلا فإن هذا هو مبعث اعتقادنا الراسخ بأنه لن يتغير شيء البتة ، لأن هذه السلطة ، وكما هو معروف ، لا تنطق عن هواها بل عن هوى داعميها في الضاحية :
نصر الله ، زعيم الضاحية ، حاكم لبنان الفعلي ، والي ايران الرسمي ، خرج بدوره الجمعة ليعزي اللبنانيين كما قال ، ولكن خطاب التعزية احتوى على تهديد ووعيد لكل لبنان بحرب اهلية في حال استمر اتهام الحزب بالمسؤولية عن تخزين نترات الامونيوم او الصواريخ أو القاء اللوم عليه ، نافيا ادارة حزبه للميناء او حتى معرفته بما يتم تخزينه فيه ، مع اجماع اللبنانيين قاطبة بمن فيهم جمهور الحزب بأن ادارة الميناء محسوبة على الحزب والتيار الوطني الحر وبأن مواد من هذا القبيل لا يمكن إلا ان يكون الحزب مشرفا عليها ناهيك عن سيطرة الحزب على شبكات الاتصالات داخل الموانئ والمطار والحدود .
وإضافة الى التهديد بالحرب الأهلية بعث نصر الله برسالتين واحدة لخصومه والاخرى لانصاره :
أما التي لخصومه ، فتضمنت بأنه لا تدويل للتحقيق أبدا وبأن الحزب لن يسمح بذلك وبأن حربا أهلية على الطريق إذا اقترب اي كان من ثوابته .
اما الرسالة الثانية فكانت تأكيده لانصاره بأن مساعي اضعاف الحزب من خلال استغلال الانفجار مصيرها الفشل ، وإن النيل من الحزب هو محض سراب ، وهو بذلك يطمئن قواعده بأنه لو تم تدمير كل لبنان حجرا حجرا فإن الحزب باق الى الابد على طريقة الاسد .
من أجل ذلك قلنا في مطلع هذه المقالة بأن ما قبل الانفجار هو تماما كما بعده ولن يتغير شيء طالما ان هناك دولة داخل دولة .
أما بخصوص ما حدث فإنه لا يمكن لأحد الجزم باسباب الانفجار ، فقد يكون الحزب نفسه وقد تكون اسرائيل ..
بالنسبة للحزب فلا نعتقد بأن هروبه من إعلان المحكمة الدولية لمسؤوليته عن اغتيال الحريري سبب كاف لقيامه بهذا التفجير الرهيب ، إذ كان بإمكانه فعل شيء اقل حدة يشغل البلد خاصة اذا علمنا بأنه بارع في الاغتيالات " المجهولة " والتي تربك المشهد برمته ، مع ان كثيرين لديهم رأيا آخر .
أما اسرائيل فلا يستبعد ان تكون هي وراء هذا الانفجار إذا اخذنا بالاعتبار استعداداتها العسكرية غير العادية مؤخرا ، ولا يعتقد مراقب محترف بأن يكون كل هذا الاستعداد سببه الخشية من عملية لحزب الله يرد فيها على مقتل احد قادته في سوريا ، فلربما تكون هذه الاستعدادات وكل هذا الحشد وقائيا واستعدادا لاي ردة فعل على انفجار الميناء إن كانت هي من يقف وراءه .
هذا هو لسان حال كل لبنان : فطالما أن هناك دويلة لايران ، فإن هذا البلد لن يقف على قدميه ابدا.
جى بي سي نيوز