وداعًا للعشرة الأوائل
لأول مرة في تاريخ الأردن لن يكون هناك شيء اسمه « العشرة الأوائل « .المصطلح اختفى هذا العام وقد يختفي للأعوام المقبلة اذا تم اعتماد نظام الامتحان الجديد الذي يتيح الحصول على علامة كاملة لعشرات الطلبة قد يزيد أو يقل لكنه يلغي التراتب الضيق لدرجتين أو ثلاثة تحت المئة.
العام الماضي تعرض وزير التربية السابق لهجوم بسبب المعدلات المرتفعة حيث راوحت معدلات العشرة الأوائل حول الـ 99 بفارق اعشار الدرجة، مع طالب واحد حصل على 100 % الى جانب آلاف حصلوا على معدلات تسعينية وبدا ذلك غريبا في ظل نفس اسلوب الفحص المعروف من اعوام سابقة. وجرى التشكيك في سياسة الوزارة ما بين الانقلاب على خطط التشدد في الرقابة على الامتحانات او التساهل في نوعية الأسئلة واتهام الوزير بالاسترضاء والشعبوية والنكوص عن خطة الاصلاح المقررة من السابق بتقليص التوجه للتعليم النظري وحجم القبولات الجامعية وتوجيه الطلبة للتعليم المهني.
ماذا نقول الآن لوزير التربية مع 78 طالبا حصلوا على معدل مئة من مئة؟! لن يتعرض الوزير لهجوم مماثل وتشكيك بالنتائج وبنوايا الوزير من ورائها، فنمط الامتحان الذي فرضته كورونا يجعل النتائج غير قابلة للمقارنة مع اعوام سابقة فالأسئلة الموضوعية أي وضع اشارة على الاجابة الصحيحة بين عدة اجابات معروضة يجعل احتمال تحقيق علامة كاملة امرا محتملا جدا وعلى سبيل المثال اذا اخذنا سؤالا امامه اربع اجابات محتملة ينبغي الخيار بينها فاحتمال تقديم الاجابة الصحيحة هو واحد على اربعة ولو بالرهان عشوائيا على احدها كاليانصيب وعندما يشترك آلاف في الاختيار فمن زاوية احصائية علمية يمكن لعدد وافر منهم تقديم الاجابة الصحيحة. والطلبة الأكثر تقدما اللذين يملكون الاجابة الصحيحة ويحصلون بالامتحانات العادية على معدلات تسعينية فليس غريبا ان يحصلوا على علامة كاملة في امتحان الخيارات المتعددة ولو لم يكونوا على يقين بالاجابة الصحيحة على سؤال او اثنين. أي ما نريد قوله بالنتيجة ان الحصول على علامة كاملة لن يكون غريبا في هذا النوع من الامتحانات.
هل هذا يعني ان هذا النمط من الامتحانات ليس مناسبا ولا يعطي تقييما صحيحا للطلبة ؟! ابدا. فهذا الأسلوب معتمد الى حد كبير في العالم وهو يحيد المعلم أو المصحح تماما ويجعل التقييم موضوعيا ودقيقا بالمطلق مع هامش للصدفة متكافىء للجميع. ولمنع لجوء الطالب الى الاختيار العشوائي للآجابات التي لا يعرفها يتم اللجوء الى اسلوب الخطأ يأكل الصح اي يخصم من رصيدك قيمة العلامة الخاطئة لجعل الطلبة يهملون وضع اي اجابة اذا لم يكونوا متأكدين من الاجابة.
معالي الوزير اشار الى ان هذا الاسلوب سيعتمد للسنوات القادم ونحن نؤيد ذلك بقوة وهذا سيلغي الشكوك بشأن التصحيح الذي يمكن تحييد المعلم كليا عنه فيصبح الكترونيا لكن لا بدّ من ابقاء نسبة عشرة بالمئة مثلا للأسئلة من النوع التقليدي التي تبقى ضرورية احيانا مثل حل بعض أسئلة الرياضيات. التطور التقني للامتحانات لا مناص منه وهو يجعل الامتحانات اكثر موضوعية ودقة وشمولا ويتيح تقديم عدد من الاسئلة تشمل كل فصول المادة ولا تترك أي جزء منها خارج الامتحان وهذا يستوجب بناء بنك ضخم من الاسئلة كما قال الوزير. ليس هذا وحده فالتحول الفني في امتحان التوجيهي يستوجب تغييرا في الافكار حول دور امتحان التوجيهي وعلاقته بالتعليم الجامعي والقبولات ولهذا حديث آخر.
الدستور