د.محمد الحموري : الحد من صلاحيات الملك يجعل النظام ليس برلمانياً ( مقابلة صحفية )

تم نشره الإثنين 09 أيّار / مايو 2011 12:22 صباحاً
د.محمد الحموري : الحد من صلاحيات الملك يجعل النظام ليس برلمانياً ( مقابلة صحفية )

المدينة نيوز – اعتبر الخبير الدستوري في الأردن وزير العدل الأسبق د . محمد الحموري أن التعديلات التي أدخلت على دستور المملكة الصادر عام 1952 “شوّهته”، فيما رأى أن اللجنة الملكية المشكلة من أجل دراسة نصوصه بحاجة إلى باحثين متخصصين .

وحدد الحموري في حوار مع “الخليج” أبرز الإصلاحات الدستورية المطلوبة، وتتمثل في استعادة الشعب مصدر السلطة، ووقف “تغوّل” الحكومات، وإنجاز قانون انتخاب يعتمد الدوائر الواسعة، مطالباً بعدم إحالة قضايا الفساد إلى محكمة أمن الدولة لضمان ملاحقة “الأموال المهرّبة”، كما وجد “الملكية الدستورية” مطبّقة واقعياً واعتبر أن الدعوة إلى الحد من صلاحيات الملك تتناقض مع النظام البرلماني بينما أيّد إلغاء اتفاقية وادي عربة . وتالياً الحوار:

 

* كيف ترى تشكيل لجنة مراجعة الدستور؟

 

- يأتي ذلك في أعقاب مطالبات تواصلت على مدى سنوات دعت إلى ضرورة إجراء إصلاحات دستورية لاسيما أن التعديلات المتلاحقة على الدستور الصادر عام 1952 “شوّهته” بعدما أخلت بالتوازن البرلماني، وأعطت الحكومات سلطات إضافية على حساب الحقوق والحريات وجعلتها “تتغوّل” على سلطتي التشريع والقضاء . لكن اللجنة التي بدأت عملها منذ أيام كانت بحاجة ضمن تشكيلتها إلى باحثين متخصصين يقومون بمهام التنقيب العلمي ورصد تجارب موازية منحت النصوص مدلولاتها الدقيقة وواكبت النظام البرلماني المتطور للاستفادة منها ومعالجة بعض الأخطاء .

 

* ماذا تقصد ب “تعديلات شوّهت” دستور 1952؟

 

- هناك 28 تعديلاً على دستور 1952 والأمثلة السلبية كثيرة في هذا النطاق منها:

- أولاً: ارتكز الدستور الأصلي على أن الشعب مصدر السلطة ويتجسّد ذلك من خلال البرلمان المنتخب بصورة حرة ونزيهة نحو منحه الثقة للحكومة استناداً إلى قبول الناخبين، فضلاً عن مراقبته أداءها، لكن اختلالاً كبيراً اعترى الأمر بعد حذف نص كان يحتم استقالة الحكومة التي تقر حل البرلمان وتشكيل أخرى جديدة لإجراء الانتخابات، حيث صارت الحكومات عقب إلغاء هذا النص تقر حل البرلمان وتبقى لتصبح مصدر السلطة بلا رقيب عليها .

- ثانياً: أسهم في هذا الاختلال الإبقاء على نص أضيف إبّان احتلال الضفة الغربية أتاح وقتها إمكانية تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى نتيجة “ظروف قاهرة”، وفي ظل الاحتفاظ بذلك النص استغلته الحكومات واحتجت ب”ظروف قاهرة” في كل مرة أرادت فيها الدفع بتأخير الانتخابات، فأحدثت فراغاً برلمانياً ورسّخت تفرّدها بالسلطة .

- ثالثاً: أصدرت الحكومات قوانين مؤقتة مسّت الحريات والحقوق استناداً إلى تعامل غير دقيق مع أحد النصوص، وفي ذلك تجاوز لا يتماشى مع الدستور .

- رابعاً: أضيف نص أجاز الاستغناء عن عضو مجلس الأعيان (الشق الثاني للسلطة التشريعية) من دون الالتزام بأسباب مؤطرة، وبالتالي يمكن التوصية بإقالته لدواعٍ شخصية، وفي ذلك انتقاص فعلي من وجوده، ثم إن الحكومة توقع على تعيينه وطرده رغم افتراض ممارسته دوراً رقابياً عليها .

 

* ماذا تعني بأن الحكومات أصدرت قوانين مؤقتة استناداً إلى تعامل غير دقيق مع أحد النصوص؟ وهل أفضى ذلك إلى نفاذها رغم مخالفتها للدستور؟

 

- كان هناك نص في الدستور يقول إن إصدار القوانين المؤقتة خلال فترة عدم انعقاد البرلمان مرتبط بثلاث حالات هي، الكوارث الطبيعية والحروب والنفقات التي لا تحتمل التأخير، إلا أن ذلك النص ألغي ووضع محله آخر مفاده “إذا وجدت حالة ضرورة مستعجلة”، ما فتح المجال أمام الحكومات لإصدار ما تشاء من القوانين المؤقتة والاكتفاء بعرضها على البرلمان في أول جلسة عقب التوقف، وتطبيق المضامين فوراً من دون انتظار الموافقة أو الرفض أحياناً إلى درجة أن هناك قوانين معروضة منذ عام 1966 لم تأخذ صفة الإجازة فعلياً .

إما بالنسبة إلى مدى مخالفتها الدستور فهناك عشرات بل مئات القوانين المؤقتة النافذة ينطبق عليها ذلك، لأن تفسير “حالة الضرورة المستعجلة” حسب الهيئة العامة لمحكمة العدل العليا يدل على نسق الحالات الثلاث إلى جانب الآفات الزراعية والزلازل وما إلى ذلك وهذا ليس موجوداً على أرض الواقع .

 

* ما سبب ضعف الأحزاب في الأردن؟

 

- لأننا عشنا أكثر من 30 سنة قبل عام 1992 كانت فيها الحزبية جريمة فرسخت المخاوف في الأعماق فضلاً عن إسهام قانون الأحزاب وفق نصوصه العقابية وليست الديمقراطية في تجنب الانخراط ضمن القوى السياسية، أما طرح ثلاثة أو أربعة أحزاب قوية بقصد تداولها الحكومات فيفرضه واقع كل بلد ولا يمكن إقحامه، وفي جميع الأحوال يجب ربط دفع الخزينة للأحزاب بنقاط ترتكز على إجمالي المنتسبين وعدد الواصلين إلى البرلمان، ونسبة نيل أصوات الشعب . وفي مقارنة بسيطة نجد أن إسبانيا مثلاً بدأت النظام البرلماني عام 1976 ووصلت، أما نحن فبدأنا عام 1952 ولا نزال نقف ونحاول أن ننطلق من جديد في كل مرة .

 

* هل ترى الوصول إلى “حكومات برلمانية” بعيد المنال؟ وماذا تقول عن قانون الانتخاب واتجاه لجنة الإصلاح إلى إقرار القائمة النسبية؟

 

- لا يمكننا تحديد زمن معين للوصول إلى حكومات برلمانية، فهذا مرتبط بالظرف الاجتماعي وطريقة ممارسة السلطة التنفيذية واستقلال القضاء، ونجاح السلطة التشريعية في مراقبة ومحاسبة الحكومات .

أما قانون الانتخاب الأفضل عندنا فيجب أن يستند إلى الدوائر الواسعة بحيث يحق للناخب الاختيار وفق عدد المقاعد المخصصة ضمن دائرته، ما يدعم فوز من ينتمون إلى الأحزاب، فيما نظام الصوت الواحد فتت الحزبية وأضر البنية المجتمعية من خلال تكريس العشائرية والانتماءات العائلية على حساب المصلحة العامة، بينما يستند نظام القائمة النسبية إلى انتخاب غير مباشر لا يتيحه دستور الأردن، ما يتطلب تعديلات نصّية مواكبة .

 

* ما الإصلاحات الدستورية المطلوبة في رأيك؟

 

- كثيرة ويصعب إيجازها لكن من أمثلتها استعادة الشعب مصدر السلطة ووقف “تغوّل” الحكومات من خلال إلغاء بعض النصوص بينها إجازة تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى ووجوب استقالة الحكومة عند حل البرلمان، ورفض إمكانية انتخاب نصف أعضاء البرلمان نصفه الآخر وملء مقاعده الشاغرة إلى جانب إعادة منصب رئاسة المجلس العالي لتفسير الدستور إلى رئيس القضاء وليس رئيس مجلس الأعيان، وحذف ما ينص على توقع الحكومة قرار الاستغناء عن أعضاء مجلس الأعيان وتأطير القوانين المؤقتة .

في المقابل إضافة نصوص تتيح تقسيم الدوائر الانتخابية وفق القانون لا نظام الحكومة، وإعطاء المحافظات مقاعد تتناسب مع عدد سكانها، واعتماد الانتخاب لا التعيين في مجلس الأعيان وفق شروط ومؤهلات تطرح كفاءات بارزة وصاحبة خبرة .

 

* هل تتيح النصوص الحالية ملاحقة ما تطلق عليها المعارضة “أموالاً مهربة” وما تنعتهم ب “الفاسدين”؟

 

- لست مع إحالة هذه القضايا إلى محكمة أمن الدولة لأن تكوينها ليس جزءاً من السلطة القضائية والأحكام الصادرة عنها، وبالتالي لا تتيح الملاحقة وإذا كانت الغاية سرعة الإنجاز يمكن تخصيص هيئات ضمن القضاء العادي للنظر في قضايا الفساد بأقصى سرعة .

 

* كيف تنظر إلى دعوات “الملكية الدستورية” والحد من صلاحيات الملك ؟

 

- مصطلح “الملكية الدستورية” ليس مستخدماً في الفقه الدستوري لكنه درج بقصد إقرار نظام ملكي يأخذ بالنظام البرلماني، وهذا موجود في دستور الأردن فعلاً لكن المتشدقين بالعناوين العريضة يريدون إرسال رسائل غايتها الإشارة إليهم وهم جزء من المشكلة، أما الحد من صلاحيات الملك فيجعل النظام ليس برلمانياً . وفي مطالعة موازية على نماذج غربية نجد أن الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويعتمد تعيين رئيس مجلس الوزراء ويصدر إرادة ملكية للموافقة على حزمة قرارات حكومية، وهذا الأمر مطبّق عندنا بصورة صحيحة .

 

* ماذا جنى الأردن من اتفاقية “وادي عربة”؟ وهل تؤيّد المطالبين بإلغائها؟

 

- لم يجن الأردن شيئاً إيجابياً من الاتفاقية بل ساعدت الكيان الصهيوني على الامتداد إلى الوطن العربي، وأعطت “الإسرائيليين” ما يشبه “صك حس نية”، وأضرّت الجو العام، وصار هناك تدخل في مناهج التعليم لإزالة ما يتناول الحديث عن عدو غاشم اغتصب الأرض وخلف الشهداء ووصفه مجرد جيب زمني في التاريخ استطاع حزب الله إخافته والتصدي له، وقانونياً يمكننا المرور عبر نصوص تحبط الاتفاقية حتى الوصول إلى إلغائها في المحصلة وأنا مع ذلك .

 

* كيف تجد المطالبة بالعفو عن أحمد الدقامسة الذي قتل “إسرائيليات” استهزأن بصلاته؟ ثم لماذا لم يسمح بخروجه من السجن للعلاج وأتيح ذلك لغيره؟

 

- العفو عندنا إما عام يحتاج إلى قانون يسقط الجريمة والعقوبة أو خاص يستند إلى “تنسيب” من رئيس الوزراء ووزير العدل وتوقيع الملك، والواقعة التي يمضي على خلفيتها الدقامسة عقوبة السجن جعلت التعامل مع خروجه للعلاج أمراً صعباً لأنها ذات أبعاد سياسية، فيما حصد تصريح وزير العدل حسين المجلي حول اعتبار الدقامسة بطلاً ومناداته بالإفراج عنه ردود فعل “إسرائيلية” مضادة، ونحن في النهاية دولة ذات سيادة يحق لنا إصدار قراراتنا وليس لأحد التدخل أو الاعتراض .

 


د . محمد الحموري

* يعد من أبرز فقهاء القانون في الأردن، حاصل على الدكتوراه في القانون من جامعة كامبردج في أمريكا، وأحد مؤسسي كلية الحقوق في الجامعة الأردنية، وتولى ثلاث حقائب وزارية بدءاً من عام ،1988 هي الثقافة والتراث القومي ثم التعليم العالي وأخيراً العدل واستقال من الثانية بسبب مشاركة الأردن في مؤتمر مدريد عام 1991 في ظل وجود الكيان الصهيوني . وكان انتسب سابقاً إلى حزب البعث الأردني وله إصدارات عديدة في مجال القانون، وعكف سنوات على طرح مقترحات حول تعديلات الدستور كما يعتبر أكاديمياً وأستاذاً جامعياً في مؤسسات تعليمية عدة . ( الخليج ) .



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات