تسييس التهرب الضريبي!
أكثر اتهام واجهته الضريبة في الآونة الأخيرة أن عملياتها التدقيقية مسيسة حسب ادعاءات بعض القوى الفاعلة في المجتمع والتي جاءت على خلفيات حملات التفتيش الضريبي على عدد من الشركات الكبرى والتي أثارت تساؤلات مهمة في الشارع حينها حول أسبابها.
جزء من شكوك الشارع من جهود الضريبة وما تقوم فيه، مبني أساسا على فقدان الثقة بالجهاز الإداري الرسمي، وتراجع مصداقية الوعود الحكومية في الاصلاح، هذه مبرراته التراكمية والمنطقية، لكن تسييس الضريبة وجهودها فهو أمر غير منطقي على ضوء ما يحدث الآن في الضريبة من تطورات إيجابية على كافة الأصعدة ستكشف بعضها في هذا المقال.
الاصلاح الضريبي الذي تضمنه قانون الضريبة الجديد المعمول به منذ بداية العام الماضي كان واضحا في رؤيته لمسألة التهرب والتجنب الضريبي بشكل واضح، وبمجرد العمل بالقانون الذي شكل إصلاحات هيكلية في دائرة الضريبة ذاتها قبل الشروع بفتح ملفات المكلفين، بذات الصورة توضحت أبرز الاختلالات التي كانت داخل المشهد الضريبي والتي تعرت بموجب القانون الجديد المدعوم بإرادة سياسية إصلاحية مؤسسية لا رجعة عنها، وما كشفته عمليات التدقيق الضريبي والحملات التفتيشية ان غالبية اعمال التهرب الضريبي كانت للأسف تحدث تحت غطاء سياسي نتيجة تدخلات القوى المختلفة في الإدارات الرسمية على اختلاف مستوياتها، لتمرير التجاوزات الضريبية، والتي للأسف كانت تحدث بمرأى ومسمع من الحكومات التي تخالف بعض مسؤوليها مع بعض القوى في هذه التجاوزات.
سلوك الضريبة اليوم في عمليات التدقيق مبنية على خطة إصلاحية منبثقة من القانون الجديد الذي يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقة الضريبية في البلاد، وهي غير مبنية على استهداف اي جهة، لكنها في ذات الوقت لا تستثني أحدا، فالكل تحت طائلة المساءلة والتدقيق الضريبي.
هذه العملية المؤسسية في التعامل الضريبي التي أثارت استياء العديد من اصحاب النفوذ التقليدي جاءت اعمالها على غير المتوقع من قبل المراقبين وبعض القوى المختلفة الذين كان بعضهم يراهن على ان الاداء الضريبي سيشهد انتكاسة كبيرة تؤثر سلبا على إيرادات الخزينة خاصة والاستقرار الاقتصادي عامة، خاصة مع تداعيات أزمة كورونا التي عصفت بالاقتصاد، وتعطلت عجلة الانتاج للعديد من القطاعات الاقتصادية.
المفاجأة التي جاءت في إطار الاصلاح الضريبي هو ما كشفته بعض الأرقام الرسمية عن اكثر من 30 ألف مشترك جديد دخلوا تحت مظلة الضريبة حتى نهاية الشهر الماضي، ثلثهم تقريبا من المستخدمين الافراد، والباقي من الشركات والمؤسسات، مما حقق هدفا رئيسا من أهداف الاصلاح الضريبي وهو توسعة قاعدة المكلفين، وهذا جاء كنتيجة مباشرة لعمليات المسح الميداني، والتوعية للثقافة الضريبية التي وصلت للعديد من شرائح المجتمع التي كانت خارج سرب الضريبة.
الأمر لم يقتصر عند هذا الحد، فالاعتقاد السائد ان التحصيلات الضريبية تراجعت منذ بداية العام اسوة بباقي انشطة الاقتصاد الذي تاثر سلباً لكورونا، لكن الأرقام الرسمية تشير إلى ان التحصيلات الضريبية من ضريبتي الدخل والمبيعات تجاوزت حتى نهاية شهر اي الفائت ما تحقق في نفس الفترة من العام الماضي بنسبة 7 بالمائة، ليتجاوز إجمالي ما تم تحصيله فعلا اكثر من 3 مليارات دينار للأشهر الثمانية الاولى من هذا العام، وهو ما يشكل نقله نوعية حقيقية في مسألة التحصيل الضريبي والأهم من ذلك كله انه تم في ظل جائحة كورونا وتداعياتها السلبية الكبيرة على المشهد الاقتصادي.
واذا ما اضيفت نتائج التدقيق والتفتيش الضريبي الأخيرة والتي أظهرت تحقيقات مالية بقيمة تتجاوز الـ400 مليون دينار، فإن رقم الزيادة سيرتفع كثير في عام 2020 والتي على ما يبدوا انها ستكون سنة فارقة في التحصيل والإصلاح الضريبي المؤسسي الذي يتجاوز الأسماء، ويحارب التزاوج القسري بين السياسة والمال والتحالف المبطن مع كوادر رسمية غير مؤهلة ان تكون عنصرا إصلاحيا في المشهد الضريبي في البلاد.
الغد