تأمّلات من المستشفيات في زمن كورونا
في المستشفى هنالك مشاهد تختصر قيمة الحياة الدنيا والاخرة والايمان والانسان والانسانية والعلم وغيرها، وفي زمن كورونا الفايروس لم يبقِ ولم يذر؛ فالخوف هاجس يسيطر على كل الناس؛ والبروتوكولات الطبية تقتضي الإلتزام وعدم الإقتراب حيث العزل والحجر والتباعد الجسدي؛ ففي حالة الضعف يشعر الإنسان بضرورة التقرّب إلى الله تعالى وضرورة الإيمانيات والروحانيات.
في المستشفى إختصار لمشهد الحياة ففي إحدى الاجنحة فرح لولادة طفل وفي الجناح الاخر حزن لكهل يحتضر؛ وهذا يعزز أن نشهد الحياة بين الفرح والحزن؛ وفي المستشفى تتجلى أسمى معاني الانسانية من طبيب أو ممرض أو أي عامل في الفرق الطبية والجيش الأبيض وما أكثرهم، وهؤلاء أبدعوا إبان جائحة كورونا؛ ولهم منا كل الشكر والإحترام؛ وبالمقابل هنالك بعض التقاعس من البعض لعدم القيام بواجباتهم وهم قلة وسيندمون والحمد لله تعالى.
وفي المستشفى يرسخ الايمان المطلق حيث حقائق الحياة وقيمتها في الميزان، فهي لا تستحق جناح بعوضة، الانسان يفارق الحياة الدنيا بأي لحظة؛ وفي المستشفى تتجلى قيم رضا الوالدين والابوة والامومة والمحبة بين الناس وغيرها، فالكل مشغول وفق مناسبة حضوره إليها؛ وفي المستشفى دروس كثيرة لمشاهد عديدة لمن طغى وتجبّر، فذلك لا يستطيع التنفس وهذا لا يستطيع الوقوف وتلك مقطوعة الرجل وهذه فاقدة البصر، وطفل بلا أم وطفلة تئن، وغيرها من المشاهد المؤلمة والمحزنة والتي تجعلنا نعتبر.
وفي المستشفى نعرف قيمة العلم قبل وبعد دخول الناس إليها وخروجهم بالشفاء، حيث المعالجين بإذن الله تعالى وأدوات العلاج والادوية وغيرها نتاج العلم والمعرفة والبحث العلمي؛ وفي المستشفى نعرف قيمة شكر الله تعالى على نِعَمِه، وشكر من يقدمون المساعدة للناس من بعده أطباء وممرضين وغيرهم.
أنصح أصحاب القلوب القاسية بزيارة المستشفيات والمرضى وحالات طبية متعددة عسى أن تلين قلوبهم وتخشع! وبالطبع هذه النصيحة لا يؤخذ بها في زمن كورونا بل بعدها؛ فمن يدخل المستشفى ويزور المرضى ويشاهد تنوع حالات مرضهم يؤمن رغماً عنه ويتّعض بالفطرة ويحزن لا شعورياً ويفيض دمعه دون تحضير ويستذكر الحياة الاخرة وما أعددنا لها، ويشاهد الكثير ليبدأ حياته مستقيمة من جديد -إلا إذا كان على قلبه غشاوة-.
وأخيراً؛ بالرغم من خطورة وصول المستشفيات في زمن كورونا؛ ففي المستشفى تختلط المشاعر بين الحزن والفرح، ونعرف القيمة الحقيقية للدنيا، وهنالك بروفات نهاية الحياة، والمطلوب أن نحب بعضنا ولا ننغّص حياة بعضنا -لان الحياة لا تستحق-، ومطلوب أن نعدّ العدة للآخرة. فهلّا فعلنا!
*وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق- رئيس جامعة جدارا
الدستور