بين خط الفقر وخط العطش
ان كتب الأدباء منذ الأزمنة القديمة عن المطر، وكيف تغسل قطراته الذاكرة والروح، وتزهر الأرض، ويزداد الشعر والنثر والفنّ خصوبة وإنتاجاً!
وغنّى جبران خليل جبران للمطر.. فقال
أنا خيوط فضّية تطرحني الآلهة من الأعالي
فتأخذني الطبيعة وتنمّق بي الأودية
صوت الرعد وأسياف البرق تبشّر بقدومي،
وقوس قزح يعلن نهاية مسيرتي،
كذا الحياة الدنيا تبتدئ بين أقدام المادة الفضي
وتنتهي على أكفّ الموت الهادئ.
ويقول ابن خفاجة
ومعينُ ماء البِشر أبرقَ هَشَّةً
فكرعتُ من صفحاتِه في مشربِ
مُتهلّلٌ يندى حياءً وجهُهُ
فتراه بين مُفضّضٍ ومُذهَّبٍ
أثبتت الدراسات المائية أن نقص المياه سيكون أكبر تحدّ يواجه العالم خلال الخمسين عاماً المقبلة. وحتى إذا استقرَّ النمو السكاني في نصف القرن القادم، فسيظلّ الاحتياج إلى المياه، لضعف الإمدادات الراهنة من الطاقة. وهي القضية الرئيسية. وسيعاني نصف سكان العالم شح المياه. وإن أكثر من نصف أنهار العالم في خطر. وتشهد انحساراً وتلوثاً. وتنشأ هذه المشاكل بسبب الاستعمال الخاطئ والمسرف للمياه.
وقد ساهمت أزمة المياه في هجرات نحو25 مليون شخص في العام المضي. و(للمطر والماء حكايات قمر... وربيع، يعزف العود على أوتاره.. فيردُّ العودُ.... ما أحلى الوتر.. وتر في القلب، وتر في الروح، فأعزفني... كما تهوى.. ستلقاني مطر).
يسبب الجفافُ العطشَ للأرض والروح والجسد. وتحزن الأنهار وتذرف البحيرات دموع الفقد. وترتفع أصوات البشر وأبواق النجدة، وتعلن الينابيع الحداد، فلا ثلوج ولا جليد. فالحرارة المحبوسة في باطن الأرض والصخور، تمتصُّ ما بقي من رطوبة.. وهكذا، وكما يتنبَّأ الدارسون للمياه الجارية والجوفية، أنه بحلول عام 2015 سيكون عشرات ملايين العرب، رغم تعدد البحار والنهار والبحيرات، تحت خطين خط الفقر وخط العطش. ويتمتَّن التحالف بين الثلاثي (الخبز والماء والحرية)، وهي الأقانيم الثلاثة التي لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة، في الوقت الذي لم يعد بخور النظام السياسي العربي يجدي نفعاً. وستعشش براغيث الجوع في ثياب الناس. ويظلُّ الكلام المحبوس في الأفئدة بلا ماء يرطّبه. ولم يعد للأحلام مذاق. وتفقد الذاكرة لذّة الكلام والإبداع!