زيارة ماكرون الثانية للبنان و" تفاهمه " مع نصر الله
الذي قرأ زيارة ماكرون إلى لبنان بانتباه ، يدرك بأن فرنسا تحاول الظهور بأنها هي الحاكم الفعلي لهذا البلد ، لدرجة وصلت الى ان يضع رئيسها آجالا محددة للاصلاح يعتقد " هو " بأنها الطريق الأوحد لمساعدة لبنان ، وفي نفس الوقت يضع القوى السياسية أمام خيارين لا ثالث لهما : إما التنفيذ ، وإما العقوبات .
يدرك كل من يعرف رجالات لبنان بأن العقوبات الفرنسية بالذات ، تعني أن تطال كل مصالح هؤلاء المادية والمعنوية والسياسية ، وكان لزاما على ماكرون أن يبدأ بإخلاء الطريق من خلال تفاهم ، ولا نقول : " تحالف " مع ايران وبالتالي مع حزب الله ، من اجل تمرير اصلاحاته العتيدة ، قبل أن ينتقل إلى العراق التي زارها بأجندات ليست متشابهة تماما ولكن متداخلة بالاقتصاد والنفوذ والمناكفة لبعض الاطراف الاقليمية .
لا يجوز ان ننسى بأنه وقبل زيارة ماكرون الثانية لبيروت ، والتي ستتبعها ثالثة ، كان هناك فيتو من حزب الله على تشكيل حكومة تكنوقراط ، وهو ما صرح به نصر الله علانية ، محذرا اللبنانيين والقوى السياسية من أنه سيقوم بتعطيل تشكيل الحكومة إذا جاءت بهذه الصفة ، ولكن ، وبعد تنسيق مستمر بين ماكرون وروحاني ، تمكن الاول من انتزاع موافقة ايرانية على تشكيل حكومة لا يمكن أن تتصف بالاستقلال المطلوب تماما نظرا لطبيعة لبنان ولاعبيه الاقليميين والدوليين ، و لم يكن ممكنا لهذا أن يتم لولا تأكيد الرئيس الحالم بإعادة الهيمنة الاستعمارية بأن حزب الله جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني ، بعكس ما تعتقده الولايات المتحدة واغلب الدول الأوروبية التي اعتبرت الحزب بجناحيه العسكري والسياسي حزبا ارهابيا ، إذ ضمن ماكرون موافقة الحزب على صولاته وجولاته ، وهو ما يفضحه علنا التسجيل الغريب الذي نشرته وسائل الاعلام مؤخرا بهذا الشأن ، وكيف أن رئيس فرنسا وبخ مراسل صحيفة لوفيغارو في بيروت عندما سرب خبر لقائه مع محمد رعد ممثل الحزب .. إذ جرى في اللقاء المذكور وضع النقاط على الحروف في علاقة الطرفين ، دون أن ننسى بأن ماكرون اتصل مسبقا بالرئيس الأمريكي طالبا منه التخفيف من الضغوط على الحزب بذريعة حاجة لبنان الماسة للمساعدة .
باختصار : لقد تمكنت فرنسا من تسجيل اختراق في لبنان يتمثل بتفاهم ماكرون مع ايران بالاضافة الى حلفائه التقليديين ، ولكن لا شيء مضمون في بلد تحكمه الطائفية والميليشيات .
الزيارة ، باختصار ، تركزت بالبحث عن مكان تحت الشمس في الاقليم والبحر المتوسط وسط تشكل نظام عالمي جديد ، يدرك ماكرون ، قبل غيره ، أن باريس باتت إزاءه مجرد عاصمة نووية نعم ، ولكن بائسة ومدينة وفاقدة لمجدها التليد الذي بدأ بالأفول .
جى بي سي نيوز