مشاعر عابرة للحدود
الأيام القليلة الماضية كانت مزعجة جدا للأردنيين ليس لأنهم شعروا بتزايد حالات التفشي للوباء وأبلغوا بالحظر على المحافظات الأكثر سكانا ولا لأنهم استمعوا إلى تصريحات متضاربة حول التباعد والتقارب والفتح والإغلاق والتدريس وتعليقه وغيرها، ولكن لأنهم شعروا بمعاناة الإخوة في بيروت والخرطوم ولم يتمكنوا من عمل ما يعبّر عن تعاطفهم ومشاعرهم وإخوتهم فأعادهم ذلك إلى سؤال الوحدة العربية ومفهوم الأخوة العربية الذي تحاول الأنظمة والزعامات العربية طمسه وإبعاد شبحه من خلال برامج وتدخلات وصراعات مفتعلة.
المعاناة التي يعيشها الإنسان العربي لا تتوقف عند المشكلات الاقتصادية والهزائم المتكررة وإخفاق مشاريع الدمقرطة وتراجع أوضاع حقوق الإنسان والفساد وتعثر الإصلاح السياسي ووضع موارد وسيادة البلدان العربية في خدمة أعدائها وحلفائهم بل تتعلق بجوهر الذات العربية وسلخ الكثير من خصائص وسمات هذه الهوية عنها في مسعى لنزع كل ما يعبر عن هذه الذات وخصوصيتها. المؤسف أن ذلك يتم بأياد عربية ومن خلال وكلاء تم إعدادهم وتهيئتهم للقيام بهذه الأدوار نيابة عن أعداء الأمة وخصومها.
في هذا الجزء الذي يمتد من شواطئ الأطلسي غربا إلى خليج عمان شرقا لا يزال المواطن في هذه البلدان يحنّ لسماع الخطاب الوحدوي ويطرب للحن وكلمات «بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغدان»، ويشعر بالاعتزاز لسماع المقطع الذي يقول «لنا مدنية سلفت» رافضا ومقاوما ومستنكرا لفكرة التقسيم القطري الذي أدى إلى تشظي البلاد التي اشترك أهلها في اللغة والعادات والدين وأساليب العيش والتفكير والتصرف.
في العالم العربي فقط يمكن أن يشاهد المغربي والسوري والكويتي فيلما أو مسرحية ويستمتع الجميع بالمضامين والموسيقا، والتفاصيل كافة التي يتضمنها العمل. الوحدة التي يشعر بها العربي مع الأمة لا تخبو ولا تتراجع مع الضغوط التي يمارسها أصحاب المشروعات الانفصالية ممن سعوا ويسعون إلى ربط وجودهم بالقوى الاستعمارية التي بقيت تهيمن على كل صغيرة وكبيرة في محيطنا.
الروح العربية التواقة للوحدة والرافضة للتجزئة هي التي تئن كلما أغمد سيف في جسم الأمة، وهي التي بقيت تشكك في كل الشعارات القطرية والطموحات التي تستولي على قلوب بعض الأنظمة التي وجدت نفسها تعوم على محيطات من الذهب.
في كل ما حدث ويحدث لهذه الأمة لم تكن الصهيونية بعيدة عن هندسة المشهد وتوظيف طاقة ونفوذ الدول العظمى في تشكيله والحفاظ عليه فقد اختارت المتعاونين، ووفرت لهم الضمانات وغذت غرورهم بالشهرة والنفوذ والحماية.
اليوم وبعد أن تأكد صناع التغيير بالمعنى الصهيوأميركي بانهيار أسس الوحدة وشلل الجامعة العربية وخراب أركان القومية العربية في مصر والعراق وسورية أصبح الإجهاز على كل ما يوحّد الأمة من معتقدات وقيم وكرامة الأهداف التي يجري العمل على تدميرها من خلال مشروعات يشرف عليها وينفذها العديد من الحلفاء.
الوهن الذي أصاب لبنان وجعل أجمل مدنها تحترق ومبانيها تتصدع وزعامتها تتلاوم باحثة عن شرعية خارج الحدود لا يحتلف كثيرا عن الخدر الذي أصاب الأمة وهي ترقب مناظر الطوفان الذي أتى على الخرطوم وجوارها دون أن يهز شعرة في لحى الزعماء والقيادات العربية.
لكن المرارة التي شعرت وشعر بها كل عربي من المحيط الى الخليج. هي التعبير الأوضح والأدق عن حالة الإرادة المسلوبة للشعوب العربية التي أنهكت بصراعات مفتعلة لا غاية منها إلا تدمير الأمة وروحها وبنائها المعنوي لكي يسهل نفاذ الصهاينة إلى جسمها كدعاة محبة وتعايش وسلام.
الغد