ما جمعته الحكومة في آذار خسرته في أيلول
بعد شعبية غير مسبوقة في تاريخ الدولة للحكومة الحالية، وحالة الالتفاف حولها مطلع ازمة كورونا، من شهر أذار(مارس) الفائت، عاد الرصيد الذي تم جمعه وتبدد سريعا.
هناك شعور بالتعرض للخداع بين الناس، وهناك ادلة على ذلك، اذ منذ الإعلان عن عودة الدراسة في المدارس، جزم كثيرون بان هذه حالة مؤقتة من اجل دعم المدارس الخاصة، ودفع الرسوم، لإنقاذ هذا القطاع من الانهيار، وان العودة الى التعليم عن بعد، قادمة لاشك فيها، وقد دفع عشرات الاف الأشخاص رسوم أبنائهم فعلا للمدارس، ثم انهمرت الحالات فجأة على رؤوسنا حسبما يعلنون، وتقرر تعليق الدراسة لأسبوعين واظن ان هذا الامر قد يتم تمديده حتى نهاية العام، لأننا امام زيادة في حالات كورونا، وليس امام تراجع؛ فالوباء مستوطن.
الجهات الرسمية تقول لك انها لا تخدع الناس، وان ارتفاع الحالات هو الذي أدى لتعليق الدوام في المدارس، وان الازمة مثل الرمال المتحركة، لا تعرف ماذا يلد فيها الغد، وبعد الغد، وان العودة للمدارس ستكون بعد أسبوعين، لكن ماذا لو لم تتوقف الحالات؟
خذوا مثلا وقف الصلاة في المساجد، اذ على الرغم من قلة الذين يصلون في المساجد، عدا الجمعة، الا ان جرأة الجهات إياها على اغلاق المساجد بسرعة، جرأة غريبة، مقارنة بقطاعات ثانية يجري فيها الاختلاط، وبسبب الحساسية الدينية، لا يفهم كثيرون لماذا يتم اغلاق المساجد، برغم وجود احتياطات في اغلبها، مع معرفتنا ان الاختلاط في مواقع ثانية يجري بطريقة عجيبة ولا يعترض عليها احد، لكن المساجد يتم اغلاقها بأسرع من سرعة البرق.
الجهات الرسمية تقول لك انها حريصة على حياة الناس، وان إجراءات التباعد داخل المساجد لا تجري كما يجب، واننا لا نتقصد محاربة العابدين والعابدات، والساجدين والساجدات.
اليكم قصة المطاعم والمقاهي فهي أصلا لا تعمل بكامل طاقتها، ولو ذهبت الى مطعم او مقهى لوجدته فارغا الى حد ما، فالناس ذاتهم يخافون من العدوى، واغلب هذه المحلات تتخذ إجراءات للتباعد، وتبعد الزبائن عن بعضهم بعضا، لكن اتخاذ قرار لا يكتمل هو امر لافت للانتباه، فمن اين سيدفع أصحاب هذه المحلات خسائرهم، ورواتب العاملين وكيف يمكن ان يصمدوا وهم منذ شهر اذار(مارس) يعملون شهرا، ويعطلون شهرا، ويتقلبون على جمر النار؟
الجهات الرسمية تقول لك أيضا، ان هناك فوضى في هذا القطاع، لكنهم لا يحدثونك عن الاختلاط في المولات، او حتى عشرات النسوة وهن يتجمعن حول سيارات الخضار في الاحياء، والبائع الذي يخالط الف زبون في النهار، من حي الى حي، ومن سيدة الى سيدة.
ربما الازمة تسببت بمشاكل كثيرة، أدت الى هذا التقلب في التعليمات، وتغير التوجهات، بل والتنافس بين جهات إدارة الازمة، وكلما رقعت الحكومة الثوب، من جهة، تمزق من جهة أخرى، وكأن الخيارات المتاحة باتت بين سيىء وأسوأ، وهذا يعني اننا على صعيد الملفين الصحي والاقتصادي، نمر بأصعب المراحل، ما بين أخطاء الناس من جهة، واخطاء الجهات الرسمية من جهة أخرى، واستغراقنا كلنا في تعلم كيفية إدارة الازمة، على حسابنا.
المؤكد هنا امران فقط: أولهما ان الأغلبية دفعت وستدفع ثمنا اقتصاديا وصحيا واجتماعيا وتعليميا لهذه الازمة، مهما حاولنا تجنب ذلك ، ولو اجري استطلاع لتم اكتشاف اتجاهات الخسائر ونسبتها على مستويات مختلفة، وثانيهما ان الرصيد الذي تم جمعه بدايات الازمة بطريقة غير مسبوقة من الثقة والشعور بالقوة عاد وتبدد، بما ينعكس على الروح المعنوية.
حيثما ولينا وجوهنا هذه الأيام، هناك عقدة، وهناك سوء ظن، وهناك نقد ولوم، ولا احد راضٍ تماما عن طريقة إدارة الازمة، بسبب حسابات الفرد من جهة، حسابات الربح والخسارة، وبسبب حسابات المجموع، وما يجري على بلد بأكمله، فوق القلق من المستقبل، وهذا بحد ذاته اتجاه يجب ان يعالج على مستويات عليا.
ما زالت كثرة تعتقد، وانا منهم، ان هذا البلد، يستحق إدارة داخلية افضل بكثير مما نرى مع اعترافنا بان الازمة معقدة، وان الظرف قد يكون صعبا، لكن سياسة تلطيف الحياة، وهي سياسة غائبة حاليا، وتبقى متوفرة لمن أراد ان يعتمد التلطيف سياسة واستراتيجية وقرارات متخذة.
الغد