تشويه صورة الجهاز المصرفيّ
حملة شرسة يقودها بعضهم لتشويه صورة الجهاز المصرفيّ في المجتمع، بإطلاق أبشع الأوصاف عليه باعتباره مسيطرا على النشاط الاقتصاديّ في البلاد.
هذه الحملة التي تطلق من أبواق معروفة لدى الجميع هي شكل من أشكال الابتزاز العلنيّ من جهة، وحالة من حالات الاستقواء التي تمارس على القطاع الخاص من جهة أخرى.
الجهاز المصرفيّ يمثل عصب الحياة الاقتصاديّة والنشاط بكل اشكاله، فهو يمنح سنويّاً ما يزيد على ال28 مليار دينار تسهيلات تستفيد منها كل القطاعات الاقتصاديّة والأفراد مجتمعة.
في أزمة كورونا الراهنة كانت السياسة النقديّة بقيادة البنك المركزيّ الأردنيّ هي المبادر الاول لإنقاذ الاقتصاد الوطنيّ من تداعيات كورونا الخطيرة على الاقتصاد، فبادر إلى حلول سريعة وكفيلة بتوفير السيولة في الاقتصاد، ونجح في ذلك نجاحاً باهراً من خلال تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي وتوفير النوافذ التمويليّة المختلفة آخرها بقيمة 500 مليون دينار، وإجراءات مختلفة بتخفيض أسعار الفوائد للمشاريع في المحافظات والعاصمة أيضا، وتأجيل اقساط الدفع للشركات والمؤسسات والأفراد وغيرها من الإجراءات التي حمت الاقتصاد من تداعيات كورونا ووفرت السيولة للقطاعين العام والخاص في آن واحد.
ولا ننسى آخر تلك الاجراءات وهي المتعلقة بمنع البنوك من توزيع أرباحها السنويّة وهو ما لم يمر على المساهمين الذين كانوا يتطلعون الى تلك الارباح، ومع ذلك تقبلتها البنوك بصدر رحب لتجاوز تداعيات الأزمة الراهنة.
احد الأمور التي تطلقها الابواق المشبوهة هو ان البنوك مؤسسات ذات ربحية عالية، ولا أدري ما الخطأ في الموضوع، هل كان هناك اعتقاد سائد بأن البنوك مؤسسات اجتماعيّة خيريّة؟
هناك من يربط تشدد البنوك في السياسات الاقراضية مع بعض الشركات او الافراد لأنها أدت الى هروب بعضهم إلى خارج البلاد كما حدث مؤخراً، وهنا يجب ان يتم التفريق بين حالات التعثر الماليّ نتيجة التراجع في النشاط الاقتصاديّ وعدم القدرة الاقتصاديّة على الوفاء بالالتزامات الماليّة تجاه البنوك، وهذه موجودة فعلا، ولا أحد ينكرها، وحالات النصب والاحتيال المخطط لها لسرقة الأموال والهروب إلى الخارج كما حدث في عدة حالات هربت من السوق للخارج مؤخراً.
البنوك مؤسسات وطنيّة وتمثل اعلى درجات خلاصة الجهود الاستثماريّة للمملكة، فهي مزيج بين الرأسمال الوطنيّ المحليّ مع العربيّ والأجنبيّ في آن واحد، ونموّ أرباحها مؤشر اقتصاديّ سليم على حسن أداء القطاعات الاقتصاديّة المختلفة، وسلامة الجهاز المصرفيّ هو المؤشر الرئيسيّ والحاسم الى سلامة واستقرار الاقتصاد الوطنيّ دون أدنى شك، والاستقواء على البنوك او حتى محاولة التدخل من قبل أي جهة سواء أكانت تنفيذيّة او تشريعيّة او حتى إعلامية بسياسات البنك المركزيّ واجراءاته هو تطاول غرضه العبث بالأمن الاقتصاديّ الوطنيّ لا يجوز التهاون فيه او السكوت عنه.
نعم، هناك تحديات اقتصاديّة كبيرة تحيط بالاقتصاد الوطنيّ نتيجة الجائحة التي لخبطت كُلّ قواعد اللعبة الاقتصاديّة، لكن هذا لا يسمح بتشويه صورة البنوك ودورها الرائد والاستراتيجيّ في ديمومة الاقتصاد الوطنيّ، فالبنوك في النهاية مصلحتها تقتضي دائماً الحفاظ على العملاء وأنشطتهم، وليس الحجز عليهم او كما يصوره بعضهم، هي تعتمد على دوران المال بين المقترضين وليس على تجنيده في أصول لا تسمح تعليمات المركزيّ بالاحتفاظ بها لأكثر من 24 شهراّ.
تشويه صورة الجهاز المصرفيّ هو اعتداءٌ صارخ على مؤسسات تشكّل صمام الأمان الرئيسيّ للاقتصاد الوطنيّ، فنشاط البنوك أساساً ممول من أموال المودعين التي تشكّل ودائع القطاع الخاص ما قيمته أكثر من 28 مليار دينار من اصل 35 مليار دينار او ما نسبته 79 بالمائة، وهو تشويه لصورة المؤسسات الرائدة في المسؤولية الاجتماعيّة، والكل يعلم جيدا مبادرتها الأولى في دعم صندوق همة وطن، فلنحافظ على ما تبقى لدينا من درة القطاع الخاص.
الغد