السر في الحشوة!
الانتخاب على اسس القائمة النسبية نظام تعددي عصري ومتقدم يستند الى فكرة تكافؤ الفرص في التمثيل لجميع الالوان والاطياف السياسية والحيلولة دون هيمنة الغالبية على مجالس الشعب وحرمان الاقلية او الاتجاهات الاخرى من ان يكون لها راي فيما يجري تحت القبة من اعمال تمس حياة المواطن ونشاطاته وتؤثر في مستقبله ونوعية الحياة.
في المجتمعات والبلدان التي تاخذ بالقائمة النسبية يوجد احزاب قوية وفاعلة ومؤثرة تشكل جزءا من المنظومة السياسية للدولة. جميع الاحزاب لها فلسفات ورؤى وسياسات وتوجهات وبرامج وينحاز بعضها الى قضايا خاصة قد لا تظهر على اجندات الاحزاب الاخرى. لذا فالقوائم تعني احزابا تطرح الرؤى و السياسات والبرامج التي ترى انها تستجيب لتحديات البلاد وتفضي الى النجاة من التهديدات او مجابهتها وتقدم تصورات لاعمال المستقبل. في مثل هذه المجتمعات يعرف الناخب موقف كل حزب من الضرائب والبطالة والتعليم والصحة والنقل ومفاوضات السلام ويمكن ان يتوقع التحولات التي قد تحدث في التشريعات والسياسات والبرامج في حال فاز الحزب الفلاني او غيره.
على خلاف ما يتم في العالم في بلادنا يفهم بعضهم القائمة النسبية على انها صورة او نموذج جديد لهندسة مخرجات الانتخابات حيث يسهل التحكم بمن يدخل هذه القائمة ومن يوضع في القائمة الاخرى لدعم فرص مرشح بعينه.
في مراجعة لاسماء الراغبين في الترشح على مستوى المملكة يمكن ان تلمح فروقات كبيرة في استعداد وجاهزية وشهرة وقبول ووقع اسماء الاشخاص الذين تطرح اسماءهم وينتظمون في القوائم. في كل دائرة انتخابية هناك المرشح الديلوكس والمرشح العادي والمرشح الاضافي”اخر راكب”.
على طريقة الطهاة عندما يريدون التعبير عن جودة الطبخة او الفطيرة التي يعدونها يؤمن الكثير من الناس في الاردن ان فرص نجاح او اخفاق المرشح الديلوكس تتوقف على تركيبة القائمة ونوعية الحشوات التي يختارها. العبارة الانجليزية التي تقول ” the secret is in the pudding” تعبر عن حال المرشحين لانتخابات المجلس التاسع عشر فقد اصبح اعداد القوائم واختيار الشركاء اهم من البرنامج الانتخابي واهم من الافكار والاتجاهات التي يحملها المرشح فالجميع منخرط في الامتثال لشروط الدخول الى التنافس بموجب نظام القائمة النسبية.
لاشهر وانا اراقب المشهد ولم اسمع حتى اليوم مرشحا واحدا يتحدث عن برنامج انتخابي لكن الجميع منشغل بتركيبة القائمة والوزن النوعي للاعضاء فلا احد يريد ان يكون شريكا مع من هو اقوى منه والمرشح الجدي يبحث عن اشخاص غير طامحين ولا طامعين في الفوز. كل ما يريده المرشح الراغب في الفوز اشخاص محليين باوزان خفيفة ومتوسطة لاستكمال بنية القائمة ولاضافة اصوات من اشخاص وجماعات والوان لا يعرفها ولا يعنون له الكثير.
هندسة الكتل او القوائم كما يجري تسميتها حولت المرشحين الى خبراء في دراسة وتحليل البنى المحتملة للقوائم واثر هذه البنى في زيادة او اضعاف فرص الفوز. لتلافي الوقوع في فخ المخاطرة غير الامنة يلجأ بعض المرشحين من الوزن الثقيل او المتوسط الى استمالة بعض القيادات المحلية او المفاتيح الانتخابية في المناطق التي تكثر فيها الاصوات مقابل اغراءات مادية او غير مادية ليكسب اصوات من يقعون تحت تاثيرهم ولضمان وجود نسبة تصويت كافية. الكثير ممن نجحوا في بناء كتلهم استكانوا وخلدوا الى سبات بانتظار فيما اذا ستجرى الانتخابات ام لا.
استغرب وانا استمع الى مؤتمرات وتصريحات القائمين على ادارة العملية الانتخابية وملفاتها من حجم التفاؤل الذي يبدونه والنشوة بانهم احالوا اشخاصا الى القضاء هنا وضبطوا متلبسا ببيع وشراء الاصوات هناك. في تقديري ان الامر يحتاج الى اكثر مما يقوم به اخوتنا في المؤسسات المعنية فالماء تجري تحت اقدام الجميع.
الغد