كورونا كشفت الخلل
صحيح إن وباء كورونا قلب كُلّ موازين الإدارات والتحوّط ومفاهيم الرعاية الصحيّة والجهود التي تبذل في مثل هذه الحالات نتيجة لتداعياته المباشرة وغير المباشرة التي اصابت اقتصاديات العالم في مقتل وهوت بمعدّلات النموّ إلى أدنى مستوياتها، الا أنها كشفت الكثير من العيوب التي خالفت المنطق في التعامل معها في بعض الأحيان.
الحكومة من غير كورونا تعاني مشاكل إدارية وفلتان في الكثير من الملفات، فقد أصابها العجز في مواجهة ما هو اقل من كورونا، فكيف الحال بوباء بحجم هذه الجائحة؟
ابرز العيوب التي كشفتها الجائحة هو فقدان الجهازين الإداريّ المشرف على كورونا الحد الأدنى من الخبرات المطلوبة في مثل هكذا حالات، وهذا ما جعل الكثير من القرارات الحكوميّة أشبه ما تكون بحقل للتجارب لا أكثر، وهو ما اضاع جهود حكوميّة أخرى كانت تصب في مواجهة الوباء، مثل “القربة المخزوقة” .
للأسف جاءت الحاجة لتكشف الغياب الكُلّي لخطط الطوارئ والتحوّط التي يجب ان تكون في الأدراج المغلقة، وتخرج عند الظروف القاهرة، للأسف لم تمتلك الحكومات أي خطط من هذا النوع، وعملت في التصدي لكورونا بالمياومة، كل يوم بيوم.
وغاب العقل المركزيّ الموجّه في التحكم بمجريات اتخاذ القرارات الحاسمة، وإدارة الملف بمركزيّة شديدة، وضبط الإيقاع لفريق العمل الرسميّ.
المؤسف انه في بعض أوقات المواجهة مع الكورونا ظهرت الخلافات بين الوزراء والفريق الفني المساند، وكانت الخلافات تصل لدرجة القطيعة في بعض الأحيان بشكل مؤسف، وشاهدنا وسمعنا الاتهامات التي تبادلها بعض المسؤولين فيما بينهم على وسائل الإعلام المختلفة، وكأنك تشاهد مسؤولين من عدة دول وليس في دولة واحدة وضمن حكومة واحدة.
واقولها بصراحة، لا نستطيع أبداً ان نشك في ولاء الوزراء وحرصهم وصدقهم في مواجهة الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر، فجميعهم كتلة نشاط لا تتوقف، لكن الأوضاع كشفت ان الحماس لا يكفي لوحده لإدارة المشهد العام في البلاد وحمايته، فالخبرة مطلوبة واساسية لا غنى عنها، وهذا ما كشفته كورونا، فقدان الخبرة في مثل هذه الحالات.
بعضهم يرى ان هذا الوباء جديد ولا يوجد وصفة عالميّة في مواجهته، ونقول ان هذا الرأي صحيح من الناحية الصحيّة، لكن من الناحية الاقتصاديّة وطريقة التعامل والنظرة للقطاعين العام والخاص اثبتت قطعيّا فشل رسميّا بامتياز في حماية عدد من القطاعات من الانهيارات والعاملين فيها من الضياع، فالحكومة تركت الكرة في ملعب أرباب العمل بالنسبة للقطاع الخاص، وحمت جميع العاملين في القطاع العام بطريقة أثارت استياء القطاع الخاص الذي هو من يدفع رواتب القطاع العام بواسطة ضريبة ورسومها المختلفة.
كورونا درس قاس في الدائرة الرسميّة، التي قدمت على طبق من ذهب كُلّ أشكال ونقاط الضعف في الجهاز الإداريّ للدولة في التعاطي مع الأزمات المختلفة، وباستطاعة صانع القرار والمرجعيات الرسميّة ان تتوفر لهم جميعا خريطة طريق لتعزيز منعة القطاع العام، وإعداد الخطط والاستراتيجيات الخاصة بمثل هذه القضايا الكبيرة، وان يكون لها خطط بديلة لأسوأ السيناريوهات ان حدثت لا سمح الله ، فاسلوب الفزعة لا يمكن ان يبقى سمة الإدارات الرسميّة، ولا نقول ان الحكومة الحالية فشلت في إدارة الأزمة، ولكن أي حكومة ستأتي وبغض النظر عن الاسماء سيكون مكتوباً لها الفشل أيضا، لان النهج الإداريّ كُلّه خاطئ، وفقدان التشاركيّة كان ابرر الاخطاء القاتلة التي وقعت في إدارة أزمة كورونا.
الغد