يأنس في نفسه الكفاءة..
الاعلانات التي كانت توضع في الصحف للوظائف العمومية وفي القطاع الخاص كانت تضع المواصفات للوظيفة وشروط المتقدمين لها وفي نهاية الاعلان دأب المعلنون على وضع عبارة تقول “على من يأنس في نفسه الكفاءة لهذا الموقع ان يتقدم بالطلب على العنوان التالي”.
بالامس كنت اراجع قائمة المترشحين لمقاعد مجلس النواب التاسع عشر وخطر ببالي سؤال مستوحى من الاعلان يتعلق بـ”هل أنس كل الاخوات والاخوة في انفسهم الكفاءة ليترشحوا لمقاعد المجلس؟ وكم من هؤلاء السيدات والسادة الفضلاء يعرف طبيعة العمل المنتظر والتوقعات التي يتطلع لها المواطن”؟.
ابعد من ذلك خطر ببالي السؤال حول كم من هؤلاء اجهد نفسه ليتعرف الى كيفية عمل الدولة وسلطاتها وكم منهم اطلع على الدستور او فكر بالاسهامات النوعية التي يمكن ان يأتي بها الى المجلس اذا ما كتب له النجاح؟
ما من شك ان الاعداد التي تقدمت تنم عن حالة من غياب المعايير او قلة الاكتراث او غياب الرقابة الشعبية والمحاسبة على اقل تقدير من الناحية القانونية لكل اردني الحق في الترشح اذا بلغ السن القانونية وخلا سجله من الاحكام المخلة بالشرف لكن هذه الشروط غير كافية اذا لم تقترن بالكفاءة والقدرة والمعرفة الضرورية لاداء تنافسي رفيع تحتاج له البلاد والمرحلة.
السؤال الذي يبقى ملحا يتعلق بالعوامل التي جعلت الجميع يعتقد انه اهلا للموقع وقادر على الاداء؟ هل اسهم بقاء النواب السابقين وعودتهم للترشح بالرغم من انتقادنا لأدائهم في تشجيع الآخرين على الترشح باعتبار ان اراء الناس وانتقادهم واستعدادهم لتقبل اي مستوى من الاداء عوامل اصبحت معروفة ولا تشكل خوفا او ردعا للنائب. ام ان صورة المجلس في ذهن المواطن قد تغيرت للحد الذي اصبح فيه لا فرق بين من يعمل ولا يعمل.
خلال السنوات السابقة بدا واضحا انه من الممكن ان تكون نائبا معارضا للحكومات في الصراخ والتنمر عليها علنا وتصوت الى جانب كل سياساتها. كما بدا واضحا ان بامكانك ان تكون عضوا في لجنة الشؤون الخارجية حتى وان لم تتمكن من التفريق بين مفهومي الليبرالية والاشتراكية.
من الممكن ان يترأس طبيب لجنة التعليم وتكون سيدة منقبة في لجنة السياحة كما من الممكن ان يغيب اكثر نواب المجلس شعبية والحاصل على اعلى مجموع اصوات في الانتخابات عن 95 % من جلسات الدورة البرلمانية ولا يتوقف عن انتقاد من لا يقومون بواجبهم. في الاردن ممكن ان يقول لك احد الرؤساء السابقين للمجلس بانه لا يعدو ديكورا ويغيب عن الانتخابات لا لسبب بل لموازنة اوضاعهم السياسية وتبريد الاجواء.
الارقام المنشورة لاعداد المرشحين للمجلس التاسع عشر فاقت كل التوقعات فقد تجاوز الرقم 1700 مرشح يتنافسون على 120 مقعدا اي بمعدل يزيد على 14 متنافسا على كل مقعد. النسبة تشير الى الحالة اللامعيارية التي وصل لها المجتمع وانهيار منظومة التوقعات. في اول انتخابات شهدتها في طفولتي عام 1966 كان الخيار في دائرتنا بين مرشحين اثنين فاما ان تختار هذا او تصوت لذاك. في تلك الايام كان المرشحون يستأنسون في نفسهم الكفاءة ويعلم الناس انهم اكفياء فلا خوف على مصالح الوطن من نجاح اي منهم.. اليوم ومع اختلاط الحابل بالنابل وتدافع مرشحي الساعة الاخيرة يتملكني الخوف والقلق واتمنى ان يكون كل ما ارى تدافع لخدمة الوطن لا لخدعة الناس.
الغد