دروس في ذكرى الشهيد

السيطرة على الوباء تتمثل بهدف استعادة القطاعات الحيوية لعملها بطاقة شبه كاملة. ولكنها لن تعود للعمل بذات الطريقة، وبذات قواعد الممارسة التي كانت قبل الوباء. إذ أن الملامح الجديدة والتحولات الضرورية، للتكيف مع الوباء غير واضحة. فكل دولة، تواجه إضافة إلى المتطلبات المحلية للتكيف، تحولات عالمية مصاحبة للوباء. فكل مجتمع يخوض معركته مع الوباء ضمن سياقين: محلي يمكن السيطرة عليه، وعالمي لا يسيطر عليه لأحد. يمر التجلي الكوني للظواهر، وقبل تحوله لنسق إنساني موحد ومستقر، بمرحلة تفاعل التجليات المحلية التي تشكله. فلا توجد «مصفوفة» وطنية خالصة للتعامل مع الظواهر الكونية. فكل المصفوفات المحلية تتطور بشكل يومي، ليس فقط بتفاعلها المحلي مع الوباء، ولكن عبر التفاعل فيما بينها، وصولاً إلى ما يمكن أن يسمى «مصفوفة عالمية لمواجهة الوباء». هناك ما يشبه الاجماع على أن الحروب والكوارث، هي قابلات لتوليد تحولات ثقافية واجتماعية واقتصادية، وفرصة لتقنيات جديدة. الجديد هو أن الكوارث التي كانت تفرض نتائجها بشكل غير واعي، أصبحت قابلة للفهم والإدارة (بالرغم من هوامش عدم اليقين). فهناك إجماع على تغيير قواعد الممارسة، ليس فقط للسيطرة على انتشار الوباء، ولكن لأوقات طويلة تليه. احتواء الوباء تفرض تحولات في نمط الاداء منسجمة مع التقنيات الجديدة، التي ستدخل للتطبيق لفترات طويلة قادمة. وهذه التقنيات تفرض ضرورتها تحت إملاء الحاجة «للحلول المُثلى» لمشكلات وتحديات عملية التكيف الشاملة. وهامش المساومة «بالقبول والرفض» في التعامل معها؛ يقترب من الصفر.

فهناك ثلاثة أبعاد تجعل منظومات ما بعد الكوارث مدخل لمسيرة تاريخية جديدة، وليس مجرد تحويلة مؤقتة في مسيرة سابقة. أولاً: إملاءات التقنية ودورة حياتها. فالتقنيات الجديدة لا يمكن تطبيقها ثم التخلص منها غداً بشكل سلس، والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل هذه التقنية، وكأن شيئاً لم يكن. ثانياً: أن الذي يحدد ملامح منظومات ما بعد الكارثة، هي الترتيبات التي تعتمد لضمان «عدم تكرارها». فكما أشار السيناتور الأمريكي كريس مرفي: «أمريكا لا تستيطع أن ترتكب ذات الخطأ مرة أخرى». فضمان عدم تكرار الكوارث والأخطاء، هي القوة الدافعة للتطور والتقدم للمجتمعات، و»للإنسانية جمعاء». ولكن حيث أن الفايروس قد يأتي بأي وقت، ومجيئة ليس هو الخطأ أوالكارثة، (الخطأ والكارثة متعلقان في كيفية التعامل معه). فإن المطلوب هو تعزيز القدرة على احتوائه، وعدم السماح له بتدمير سلاسل التزويد والطلب، وكسر ديمومة الحياة الإنسانية بترتيباتها الجديدة. وبناء القدرات لاحتواء الاوبئة المشابهة في المستقبل، هي التي تقود وتوجه الاستجابات الكونية، وعمليات التكيف التي تقوم بها القطاعات الاقتصادية المختلفة. والنقطة الثالثة هي ضمان التوازن بين متطلبات احتواء الوباء مع مجمل الأولويات الأخرى. وهذه قد تتضمن تغيير قواعد الممارسة عبر العديد من القطاعات، بحيث تصبح خدمة الاولويات الأخرى منسجمة، وغير متناقضة مع متطلبات احتواء الوباء في المستقبل.

صحيح أن التحول في منظومات الاداء، له طابع عالمي، وأن إعلان النصر على الوباء، سيتم بعد أن تتوصل «البشرية جمعاء» إلى منظومة متكاملة مستقرة؛ لاحتواء الوباء وتعزيز القدرة على احتواء آثاره، في أي مرة قادمة يأتي فيها، او ياتي وباء شبيه به. ولكن هذا المنجز العالمي، هو تراكم واستخلاصات لعدد كبير من التجارب المحلية، التي تعزز وحدة التجربة العالمية وتنوعها، لتطوير نجاح كوني لاحتواء الوباء، عبر ما وصفه مساعد وزير الخارجية الإسباني مانويل مونيز: «إدماج جهود التعافي ستعزز وحدة العالم». فكل تجربة محلية أصيلة، ستضيف ملمحاً من ملامح التحول الكوني المشترك.

الدستور