أفول الشعبوية اليمينية
أمس جرت مراسيم تنصيب رئيس الولايات المتحدة الجديد بايدن وسط تشديدات امنية غير مسبوقة، وربما كانت هناك مبالغة في المخاوف لكن لا شيء يترك للصدفة في أمريكا، وبعد صدمة الهجوم على مبنى الكابيتول نزلت الثقة بالرئيس المنصرف الى الصفر حيث لا يمكن استبعاد اي تصرف طائش من ترامب. وبعكس التقاليد الراسخة لحفل التنصيب فالرئيس السابق قرر أن لا يحضر الحفل وهذا كان أفضل ما رغب به بايدن اذ بات ترامب شخصا منبوذا ومدانا حتى أن نائبه بنس تخلى عنه وسيأخذ مكانه في الاحتفال.
لم تشذب السلطة شخصية ترامب وبقي حتى الدقيقة الأخيرة وفيا لها في السياسات كما في التصرفات وحتى آخر لحظة مع نتائج الانتخابات. وهذا السلوك لم يلحق الأذى به شخصيا فقط بل بالحزب الجمهوري الذي خسر ايضا الانتخابات الجزئية للكونجرس الأمريكي. كما اعطت رئاسته مثالا سيئا لأداء اليمين الشعبوي في السلطة في اي مكان.
وانتخاب ترامب مثّل في الواقع ذروة صعود اليمين الشعبوي سبقته بضعة انتخابات في اوروبا ولحقته ايضا انتخابات رئاسية وبرلمانية اتت برموز اليمين الشعبوي في غير بلد اوروبي بالتوازي مع تراجع القوى التقليدية الديمقراطية الاجتماعية أو المحافظة وكان في ذلك علامة على ازمة السياسة. نراجعت السياسة التقليدية أكانت يمينية أو يسارية لصالح شخصيات وقوى انتخابية بلا تاريخ سياسي ولا التزامات جدّية تطرح بفجاجة ما يحب الجمهور أن يسمعه من مختلف الطبقات بما في ذلك اقل الفئات الاجتماعية ثقافة وتعلما خطاب التعصب وطني والشعبوية والتعنت وكره الآخر وخاصة الوافدين واللاجئين، خطاب يضع تحت نفس السقف الفئات الأكثر ثراء وأنانية واستهتارا بالقيم والأخلاق والمسؤولية الاجتماعية مع الفئات الأكثر فقرا وانسحاقا ولعل الارهاب وتدفق اللاجئين مع الازمة الاقتصادية الداخلية كان اللحمة التي جمعت هؤلاء ووضعت الخطاب المعتدل والمسؤول في أزمة وحرج وعجز عن منافسة الخطاب الشعبوي الفاحش.
سقوط ترامب – كما يبدو لنا – بداية أفول الشعبوية اليمينية في الغرب. وهو يحدث بالتزامن مع انحسار العارض الذي تغذت عليه وهو موجات اللجوء والارهاب والتطرف الديني الذي يوفر الوقود للخوف والانغلاق والعداء للآخر. ولعل جائحة الفيروس المستجد اعادت اعلاء شأن القيم والسياسات الاجتماعية والبعد الانساني المشترك فوق صدام الهويات والثقافات.
جو بايدن يمثل الاحترام والمؤسسية السياسية بمعناها التقليدي أكثر مما يمثل الابتكار والتجديد لكن لنقل ان التاريخ يتكىء عليه انتقاليا فلم يكن ممكنا هزيمة ترامب بدون اتحاد اليسار الذي مثله بيرني ساندرز في الحزب الديمقراطي مع الأقليات جميعا من السود الى الهيسبانيك والعرب والمسلمين وغيرهم وراء بايدن. وبعد فوز السود بأول رئيس ملون مع اوباما كان يتوجب عليهم مع جميع الأقليات الأخرى القبول بديمقراطي ابيض معتدل يهزم ترامب وهو على كل حال كاثوليكي في ثاني حالة على الاطلاق في أمريكا بعد الرئيس كندي.
الدستور