خصوصيتكم المصونة
نضطر في الدراسات والبحوث إلى الكشف عن بعض ما يفكر به المستجيب أو المبحوث، وقد يؤدي ذلك إلى ضرر أو انحياز أو مبالغة في بعض الأفكار، ولذلك حرصت مواثيق البحوث وقياسات الرأي العام على النص في حق المستجيب في الخصوصيةRight of privacy ، والحقيقة أن هذه مسألة خطيرة ينبغي ألا تكون شكلية أو أشبه بالديكور لبحوثنا!
من خلال تجارب متنوعة، على امتداد سنوات طويلة، في البحث العلمي، تعرضنا لبعض المواقف التي نضطر فيها الى الاصرار على إخفاء هوية المستجيب، من جهة لأننا وعدناه بذلك وأن ننص بمقدمة الاستطلاعات أن يكون عرض النتائج بشكل اجمالي، واقتناعاً بقيمنا ومبادئنا من جهة أخرى، وهذا ما يطلق عليه تعبير De-identification (مجهولية المستجيب) في قياسات الرأي العام، وحتى لو كانت هناك بعض الإشارات التي قد تدل على هوية المستجيب إلا أنه ينبغي الحرص على عدم الكشف عنها، إلا في بعض المسوحات الاجتماعية والتعدادات التي لابد منها، ومن الممارسات المهمة في هذا السياق لجهات البحث حينما تقوم بطمس ايه بيانات تدل على شخصية البيانات التي اضطرت لمعرفتها اثناء جمع البيانات مثل رقم الهاتف أو عنوان السكن، وتفصلها عن المعلومات التي ادلى بها المستجيب، ومن الطريف في أحد مشاريعنا الاستطلاعية حينما كنا نسأل نخبة من أساتذة الجامعات عن القنوات الإخبارية المفضلة لديه وأجاب أحدهم " روتانا سينما"، وبالطبع كان لا بد من طمس هويته أمام الجهة الطالبة للاستطلاع وأيضا اهمال اجابته اثناء مرحلة تنظيف البيانات!
وأذكر هنا، من بين التجارب العملية، التي تعكس تعاملاً احترافياً مع المبحوث، أننا قمنا في إحدى الدراسات بإجراء مقابلات معمقة مع نخبة، وكان العهد بيننا ألا نكشف عن شخصياتهم المرتبطة بأفكارهم بشكل فردي وانما عرض نتائج عامة، وبعد صدور التقرير الخاص بالدراسة، طلبت الإدارة العليا معرفة تفاصيل كل استجابة، وقد كان هذا تحدياً كبيراً أمام فريق العمل، ومضى الموضوع بين آراء متنوعة ترى تبسيط الموضوع وأخرى تبين أهمية الخصوصية، حتى اتفقت الإدارة العليا مع فريق البحث على أنه لابد من استئذان المستجيبين حتى يتحقق لها ما طلبت، وقد كان هذا موقفاً يُحسب للإدارة على تفهمها، ولفريق العمل لإصراره على قيمه، وقد وافق المستجيبون، بعد ذلك، على الأمر، وطلب البعض مهلة أخرى للتفكير، وبعضها الأخر وضع شروطاً، منها على سبيل المثال، اطلاع المدير العام فقط على تفاصيل الاستجابات.
وفي ممارسة بعض الجهات البحثية الدولية، حين تتفق مع جهات محلية على إجراء قياسات للرأي العام، فإنها تفرض عدداً من القيود والتفاصيل والإجراءات والسياسات لضمان السرية ومجهولية المستجيب، وتتأكد من استخدام أنظمة تقنية تعزز هذه الخصوصية حتى لا تمس.
السبيل