لماذا انشق عبد الخالق وابو لبن والخطيب عن الهيئة الادارية برابطة الكتاب

المدينة نيوز - خاص - لا تزن البيانات حبة خردل أمام سيل الدم المتدفق، ولا يعدل الكلام ذرة غبار ونحن نرى جسد الطفل حمزة الخطيب منتهكا مقطع الأوصال. هذا شيء يدمي القلب ويقلق طمأنينة العقل الذي يتشكك ويدير الأمور على وجوهها. ما يحدث في سوريا من قمع وبطش غير مسبوقين، واستخدام للجيش، الذي ينبغي أن يكون سياجا للوطن، في قتل الشعب واجتياح مدنه وبلداته وقراه، يتطلب قول كلمة لا على الأقل، ويدفعنا إلى الاصطفاف إلى جانب الضحية، لا البحث عن ذرائع للجلاد والتعلل بالتدخل الأجنبي تبريرا للقمع الوحشي والإبادة الجماعية. هذا هو أقل شيء يمكن أن يقدمه المثقف الفرد، ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات النقابية، واتحادات الكتاب العربية، لتفهم آلة القتل أنها معزولة مرذولة، فيضيق عليها الخناق. لا مجال، والدم يسيل والقتلى الأبرياء يسقطون، لاستذكار "المقاومة والممانعة " والتذرع بالخوف من التدخل الأجنبي، وغض الطرف عما ترتكبه آلة عسكرية صماء تفتك بالسلم الأهلي للحفاظ على نظام تهاوت شرعيته منذ اللحظة الأولى التي أطلق فيها الرصاص على مواطنيه؛ فالعلاقة التي تربط الشعوب بالسلطة ذات طبيعة تعاقدية، بغض النظر عن نوع السلطة وشكل الحكم، وعندما تخل الطبقة الحاكمة بشروط التعاقد فتروع المواطنين وتقتلهم وتقصف البيوت والمساجد ودور العبادة تصبح السلطة غير شرعية وينبغي الوقوف ضدها. والنظام في سوريا سقطت شرعيته، وأساطير المقاومة والممانعة، المشكوك فيها، لا تبرر له أن يثخن في القتل. دم السوريين أغلى من أي شيء، وأشرف مقاما من أي شعار يرفع، ومن العقائد والأيديولوجيات جميعها.
سقت هذه المقدمة لا للرد على التصريح الصحفي الذي أصدرته الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين، ردا على استقالتنا، الزميلين د. غسان عبد الخالق وزياد أبو لبن وأنا، من الهيئة الإدارية للرابطة، بل للتأكيد على مبدأ أساسي أومن به شخصيا، وهو أن على المثقف أن يقول الحقيقة للسلطة مهما كان نوع السلطة وأيا كان موضعها، دون حسابات مصالح أو احتكاما لذرائع ومبررات. إن من بين أدوار المثقف، إضافة إلى مساهمته المعرفية، أن يكون له موقف مما يجري في العالم من حوله، وأن ينحاز للمغلوبين والمقموعين لا أن يكون إلى جانب المستبدين والغالبين والقتلة.
أما فيما يتعلق برد الرابطة على استقالتنا، والتذرع بغيابنا نحن الثلاثة عن الاجتماع الأخير، فهذا كلام حق يراد به باطل؛ فنحن لم نغب إلا احتجاجا على التهرب من إصدار البيان الذي يدين القمع والقتل في سوريا، وفي البحرين واليمن وليبيا وغيرها من بلاد العرب. كما أن الصديق القاص سعود قبيلات، الذي أكن له كل تقدير واحترام، قال أكثر من مرة إن "الهيئة العامة للرابطة منقسمة انقساما شاقوليا بشأن الوضع في سوريا "، وهذا ما أعاد التصريح الصحفي للهيئة الإدارية ترديده، وقال لي إنه سوف يعرض الأمر على الهيئة العامة. ورغم أنني لا أعتقد أن الهيئة العامة منقسمة على نفسها في هذا الشأن، بدلالة ما يصدر من بيانات عن الكتاب والمثقفين دون المرور بالهيئة الإدارية أو استشارتها، فإنني أريد أن أسأل هنا: هل انتخبتنا الهيئة العامة لنعود إليها كلما أردنا اتخاذ قرار أو فكرنا في إصدار بيان؟ أليست الهيئة الإدارية أعلى سلطة بين مؤتمرين؟ وسؤال آخر: ألم تصدر بيانات أخرى بسرعة صاروخية من خلال استشارة عدد من الزملاء، كنت واحدا منهم، قبل أن تجتمع الهيئة الإدارية؟ وهل يحتاج البيان العتيد مرور شهور لكي نوازن عناصره بميزان الذهب؟
نعم لقد جرت المماطلة والتسويف والتراخي في إصدار البيان، وتأكدنا أن بعض الزملاء لا يريدون له أن يصدر، ومن الواضح أنهم أثروا على زملاء آخرين كانوا مع توجيه إدانة قوية للقمع الوحشي الذي يمارسه النظام في سوريا. وعلى هذه الخلفية استقلنا، لا نكاية بزملائنا، ولا تحضيرا لانتخابات لا يعنينا أمرها كثيرا، ولا تسديدا لحسابات صغيرة ما كان لها أن تجول في خواطرنا عندما اتخذنا قرارنا. (محمود الخطيب)