الكتابة السياسية ليست "صف كلام" فقط!
كتب جورج أورويل صاحب روايتي "مزرعة الحيوانات" و"1984" في مقالة له عام 1946 "أن الكتابة السياسية يجب أن تتطلع إلى بلوغ مرتبة الفن، بقابلية سحرية للقراءة".
ونظرا إلى أن الكاتب السياسي كان يكتب في قضايا مباشرة لا تحتمل التأويل أو السجع والجناس والطباق والبيان، وكان الهدف منها الدفاع عن سياسات معينة أو نقد وتفنيد سياسات أخرى، أو توضيح موقف أو تصريح معين، لم يكن يهتم عدد كبير من الكتاب في هذا المجال بالجانب الفني في المقال أو العمود السياسي الذي كانوا يكتبونه.
وكثير من هؤلاء الكتاب لم تلصق أسماؤهم بذهن وعقل وقلب القارئ، سواء أتفق أم اختلف معهم فيما احتواه مقالهم من مواقف وأراء، ومرد هذه النسيان السريع لهؤلاء الكتاب هو افتقارهم أثناء كتابة المقال للغة الأدبية وللبيان، فتحول مداد أقلامهم إلى مادة جافة لا تتضمن معلومات وأرقام موثقة ودقيقة، وكتبت مقالاتهم بلغة غير متأنية وثقافة ضحلة وبعيدا عن الموضوعية والنزاهة.
العمود أو المقال الصحافي هو أحد فنون الكتابة وينبغي لمن يتصدى لها أن يكون ملما بالنحو والبلاغة وفنون الكلام وتراكيب الجمل، وأن يكون مثقفا وقارئا نهما لجميع أنواع الكتب والصحف والدوريات، ومن شأن ذلك أن يطور من مفرداته اللغوية ويغنيها ويزيد من ثرائها، ويفتح أمامه الباب للخوض في أفكار جديدة ومبتكرة.
الكاتب السياسي الذي يتحول إلى بوق للسلطة، أو يكتب بناء على التوجيهات والطلبات والأوامر، لا يشكل أية قيمة ثقافية أو إعلامية أو إنسانية، لأنه حول قلمه وفكره وقدرته على الكتابة والإبداع إلى نوع من الارتزاق و"الفهلوة".
وبالتأكيد سيكتشف القارئ الذكي هذا النوع من "المرتزقة" بكل سهول ويسر، فلا يعود يحترمه، أو يحترم المؤسسة الصحافية التي يعمل بها هذا الكاتب.
نعم ينبغي ويجب أن تصل الكتابة السياسية إلى مرتبة الفن، وأن يكون المقال أشبه بقصة قصيرة أو قصيدة شعرية نثرية، لأن من حق القارئ أن يجد متعة في القراءة، وأن يستمتع في التحليل وفي تسلسل الأفكار وحسن تنظيمها.
ومن لا يجد في نفسه القدرة على ذلك عليه على الأقل أن يمسك بالخطوط العريضة والأساسية للغة وأن يكتب شيئا يقبل عليه القارئ دون أن يفقد الحماسة في متابعته وفي احترامه وتصديقه.
السبيل